كلامه بأن المراد بالوسط من كان متبعا لشريعة الرسول (صلىاللهعليهوآله) وانه هو المثال الأكمل لمرتبة الوسط فاقتصر على الأمة التي تكون متبعة للرسول (صلىاللهعليهوآله) وإلّا فليس كل أحد انتحل الإسلام دخل في الآية الشريفة.
وأما إذا كان مراده من تعبيره شرح دين الإسلام من حيث أنه حائز للمرتبة الوسطى بين الجسمانية المحضة والروحانية الصرفة مع قطع النظر عن المتدين به ، فلا ريب في كونه حقا ولكنه خلاف ظاهر الآية المباركة.
وربما يتوهم أن مقتضى إطلاق الآية المباركة وكونها وردت في مقام الامتنان هو التعميم لجميع الأمة. ولكنه باطل ، فإن المراد بالوسط هو الحقيقي منه ، كما في نظائره من الصفات ـ كالإيمان ، والخير ، والصلاح ، والعدل ، والصدق ونحو ذلك مما ورد في القرآن الكريم ـ دون مجرد الإطلاقي الظاهري ، وذلك لا يتحقق إلّا في المسلم الحقيقي المتصف بحقيقة الإسلام حتّى يكون مفخر الأنام وشاهدا يوم الحساب ، ولا امتنان في جعل من لا يعرف من الإسلام إلّا اسمه ، ومن الدين إلّا رسمه ، ولا يعلم من القرآن حتّى درسه شهيدا بين الأمم ، ولا أظن أحدا يرتضي ذلك.
ثم إنّ جعل الله تعالى الأمة وسطا يتصور على أقسام :
الأول : أن يكون من مجرد الجعل التكويني الذي لا اختيار للعبد فيه ، كسائر مجعولاته التكوينية ، قال تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) [سورة الاسراء ، الآية : ١٢] ، وقوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٣٠] ، وقال تعالى : (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً) [سورة الأنبياء ، الآية : ٣٢] إلى غير ذلك من الآيات المباركة مما هو كثير في القرآن.
الثاني : الجعل الاجتماعي الانتظامي المشوب باختيار العبد في الجملة كقوله تعالى : (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا) [سورة الحجرات ، الآية : ١٣] وقوله تعالى : (فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) [سورة البقرة ، الآية : ٦٦].