للمؤمن والكافر أدرج سبحانه وتعالى كلامه بين كلمات ابراهيم (عليهالسلام) عناية به وتلطفا منه وإيماء إلى أن كلام الخليل من كلام الرب الجليل مع أن طول الآية المباركة أحسن موقع ذكر كلامه تعالى.
والمعنى : إن من كفر وأصر على كفره يتمتع من الدنيا أمدا قليلا ثم يساق إلى عذاب النّار وبئس المرجع والمأوى ، وان متاع الدنيا وإن بلغ ما بلغ فإنه زائل وقليل في مقابل عذاب الآخرة وقد وقعت هذه الجملة في القرآن الكريم في موردين كلاهما مقرونان بالتشديد والتهويل أحدهما في المقام ، والثاني قوله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) [سورة لقمان ، الآية : ٢٤] وهذا الاضطرار إنما حصل باختيارهم العقائد الفاسدة والأعمال السيئة.
ويستفاد من هذا التعبير أن لأعمال البشر نتائج وآثارا تترب عليها قهرا ترتب المسببات على أسبابها فتكون الأعمال كسبية والآثار ضرورية. ولكن لا ينافي كونها اختيارية باختيار أسبابها نظير ما لو ألقى الإنسان نفسه في مهلكة فإن آثارها تلزمه لا محالة ، أو كما قال الطبيب للمريض إن أكلت الغذاء المعين تبتلى بمرض كذا والعلاج بكذا فأكل واضطر إلى علاجه ، فيصح أن يقال إن العلاج حصل باختياره.
وإنما نسب الاضطرار إلى نفسه تعالى لأنه مبدأ الكل واليه مرجعهم ، لا سيما في عالم الآخرة التي هي عالم ظهور الملكات والأعمال بالعيان بعد ما كانت في الدنيا بالدليل والبرهان.
بحوث المقام
بحث دلالي :
يستفاد من الآيات المباركة المتقدمة أمور :
الأول : إنّ العهد في الآية الشريفة وإن كان بمعنى الإيجاب والإلزام التكليفي لكن يمكن أن يستفاد منه الجهة الوضعية أيضا ، وهي من خصائص