قوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ). المراد من القول هو الأعم من الإعتقاد والتعبير بالألفاظ ، فاستعمل في الجامع.
والقتل إزهاق الروح عن الجسد إذا لوحظ فيه الإضافة إلى الفاعل. وأما إذا لوحظ فيه الإضافة الى المقتول فيصح التعبير عنه بالموت أيضا. هذا بحسب الشايع المتعارف وإلّا فيصح إطلاق القتل بالنسبة إلى الجنين الذي لم تتعلق به الروح بعد كما ورد في بعض أحاديث دية الجنين.
كما لا يختص بإزهاق روح الإنسان بل يشمل الحيوان أيضا قال تعالى : (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) [سورة المائدة ، الآية : ٢] والنصوص في هذا الإطلاق مستفيضة من الفريقين.
بل يطلق القتل على إزالة المعارف الحقة عن النفوس المستعدة أو دفعها عنها. فإنّ من تسبب في جهل الناس بالمعارف الإلهية فقد قتلهم شر قتلة لأنه أزال حياتهم الأبدية السرمدية كما يأتي التفصيل.
وقد ذكر القتل هنا بهيئة المضارع ، وفي قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا) [سورة آل عمران ، الآية : ١٦٩] بهيئة الماضي ، ولا فرق بينهما من هذه الجهة ، لما ذكرناه من القاعدة الكلية المؤيدة بالدليل العقلي بانسلاخ الأفعال عن الزمان بحسب ذاتها والخصوصيات الزمانية تستفاد من القرائن الخارجية.
والسبيل هو الطريق الذي فيه السهولة ، ويستعمل في كل ما يتسبب به إلى المطلوب ـ خيرا كان أو شرا ـ قال تعالى : (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) [سورة الأعراف ، الآية : ١٦٤].
وقد ذكرت جملة «سبيل الله» في القرآن الكريم ما يزيد على ستين موردا وهو يدل على سعته وشموله وعظمته وأهميته ، وتقدم الفرق بينه وبين الصراط في سورة الحمد عند قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) وقد ذكر في القرآن الكريم والسنة المقدسة بعض المصاديق : مثل بذل النفس في إحياء كلمة التوحيد وتأييد الحق وقمع الباطل ، وبذل المال للضعفاء ، وإفشاء