إذا لوحظ فيه التوجه اليه ، وقد جعله تعالى بهذه التوسعة تسهيلا لوصول عباده إليه عزوجل وما ورد في الفلسفة العملية من : «أنّ الطرق إلى الله تعالى بعدد أنفاس الخلائق» فيه إشارة إلى ما ذكرناه. فكما لا حدّ للمذكور كذلك لا حدّ لمراتب الذكر.
فان الذكر اللفظي كالتسبيح والتحميد والتهليل والشكر لنعمائه.
والذكر العملي هو العبادة ، والطاعة ، والأفعال المرضية له تعالى كعيادة المرضى ، وتشييع الموتى ، والسعي في قضاء حوائج الأخوان.
والذكر القلبي هو التوجه والخلوص والتقرب إليه تعالى. وكلما ازدادت عبودية العبد لربه ازداد مقام توجه إليه ؛ ولذا ورد عن نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) : «لي مع الله حالات لا يسعني فيها ملك مقرب ولا نبي مرسل». وفيه إشارة إلى بعض توجهاته الخاصة إلى مقامات ربه ، أو قوله (صلىاللهعليهوآله) : «إنّي أبيت عند ربي فيطعمني ويسقيني ربي».
ثم إنّ ترتيب قوله تعالى : (فَاذْكُرُونِي) على الآيات السابقة ترتيب عقلي واجب من باب وجوب شكر المنعم الذي يحكم به العقل المستقل.
والمتحصل من جميع ما ذكرناه أمور :
الأول : إنّ الذكر منبث على القلب واللسان والجوارح ، ولا يختص بخصوص الذكر اللفظي بل كل ما كان مضافا إليه عزوجل وكان مأذونا فيه من قبله تعالى وتقابله المعصية فإنها لا تصدر إلّا مع الغفلة عنه عزوجل.
الثاني : إنّ حقيقته هو التوجه الفعلي إليه عزوجل ، أي العلم الفعلي بأصل العلم لا مجرد العلم فقط ، ولذلك مراتب كثيرة منها ما ذكره بعضهم : «أن ينسى العبد ما سوى الله تعالى ويكون مقصوده من جميع حركاته وسكناته وأفعاله وأقواله ـ بل وخطرات قلبه ـ هو الله تعالى».
الثالث : إنّ أمره بالذكر شامل لجميع المراتب ولا يختص بخصوص بعضها.