أحسن.
قوله تعالى : (وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ). مادة (ش ك ر) كمادتي (ك ش ر) ، و (ك ش ف) تأتي بمعنى الإظهار ، ويقابلها مادة (ك ف ر) التي تأتي بمعنى الستر ويختلف ذلك باختلاف المتعلق اختلافا كثيرا. والجامع القريب في الأولى الإظهار ، وفي الثانية الستر.
فإظهار وحدانية الله تعالى ، وصفاته الحسنى ، وأفعاله العليا إيمان وستر ذلك كفر ، ولهما مراتب. كما أن إظهار نعمه شكر وسترها كفر ، ويطلق عليه الكفران أيضا.
والإظهار تارة : يكون بالاعتقاد ، وأخرى بالقول ، وثالثة بالعمل إما بفعل ما أوجبه الله تعالى أو ترك ما نهاه عنه تعالى ، وقد قال علي (عليهالسلام) : «شكر كل نعمة الورع عن محارم الله تعالى».
والمعنى : أظهروا نعمائي ولا تكفروا بسترها.
وإنما قال تعالى : (وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) ولم يقل : واشكروا لي أشكركم ، لأمور :
أحدها : الإعلان بقبح الكفر والكفران استقلالا.
ثانيها : التنبيه على عظم النعمة ، وأنه بمنزلة كفر الذات.
ثالثها : إنه استفيد من مقابلة الذكر بالذكر ـ في قوله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) ـ بالملازمة فلا وجه للتكرار بعد ذلك.
ثم إنّ الشكر من أجلّ الصفات الحسنة ومن أرفع مقامات العبودية وهو على أقسام :
الأول : أن يكون من المخلوق للخالق ، وقد رغّب اليه الكتاب والسنة المقدسة ترغيبا بليغا بأنحاء مختلفة : بأن أضاف الشكر تارة : إلى نفسه ، قال تعالى : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [سورة لقمان ، الآية : ١٤]