عنده الثواب والعقاب. فكان عرفانهم له أتم فلا يرجون غيره ولا يعبدون سواه فلا محالة يكون حبهم له أشد.
وحب الذين آمنوا بالله تعالى ليس كالحب الحاصل من الشهوات النفسانية ، بل له واقع غيرها وهو الله عزوجل ، وانه حق لأن الاعتقاد بالحق حق لا ريب فيه ، وأنه ظاهر في العمل لأن العمل المنبعث عن الواقع والحقيقة مرآة صافية لا شائبة فيه غيرهما ، فكان هذا الحب بالنسبة إلى الواقع والاعتقاد والعمل ، هو الحب الحقيقي الذي يربط بين الخالق والمخلوق والعابد والمعبود ، وبقدر إخلاص العبد لله تعالى تزداد محبته له تعالى ، كما ان بقدر الاختلاط مع الغير تضعف درجة المحبة ، فان كل من أحب شيئا أعرض عن غيره وازداد الاتصال به.
ويظهر أثر هذه المحبة في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فباتصاف العبد بجميع الكمالات المعنوية وارتقائه في المقامات العالية والابتعاد عن الرذائل والتجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود ، فان للملكات النفسانية تأثيرات في ذات النفس وكذا بالعكس.
وأما في الآخرة فقد أعد الله للمحبين له ما لا عين رأت ولا اذن سمعت. هذا بالنسبة إلى حب العبد لله تعالى.
وأما محبته عزوجل للعبد فهي من صفات فعله ، وهي الهداية الى الصراط المستقيم وكشف الحجب عن قلبه ، وتوفيقه لما يحبه عزوجل ، والتوجه إليه وحينئذ يطأ بساط قربه ولا يصل العبد إلى هذه المراتب إلّا باتباع الشريعة المقدسة اعتقادا وقولا وعملا ، قال تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) [سورة آل عمران ، الآية : ٣١].
قوله تعالى : (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ) رأى مصدرها (رؤية) تحذف الهمزة في مستقبلها ، فيقال : يرى ونرى وترى. ولها استعمالات كثيرة في القرآن الكريم وهذه المادة تستعمل في جميع القوى الظاهرية ، يقال : لمسته فرأيته ناعما ، أو سمعت صوته فرأيته حسنا ، وتفكرت فيه فرأيته صحيحا ، وتعقلت فيه فرأيته دقيقا وغير ذلك من الاستعمالات التي