ذلك على الكرة إلى الدنيا وتمنوا الرجوع إليها فيتبرءوا من المتبوعين ويعودوا إلى الحق ويهتدوا بهدى المرسلين لينتفعوا به في الجزاء.
قوله تعالى : (كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ). الحسرة واحدة الحسرات وهي أعلى درجات الندامة على شيء وأشد من الغم وسببها الجهل بالواقع وتركه والعمل على خلافه فيكون السبب الفاعلي للحسرة من العبد ، والفرار منها إنما يكون بالرجوع إلى الإيمان بالله تعالى ورسله والعمل الصالح ، أو التوفيق منه عزوجل.
أي : كما أنّهم رأوا العذاب ووقع التبري بينهم وانقطعت الأسباب التي علقوا عليها آمالهم كل ذلك يكون حسرة عليهم وان جميع أعمالهم صارت وبالا عليهم فخلّفت أسوأ الآثار في نفوسهم حيث أورثت الحسرة والشقاء فتكون أسباب الحسرة هي نفس الأعمال لتفريطهم فيها.
وإنّما أسند ذلك إلى نفسه المقدسة لبيان أنّ جميع الأمور مستندة اليه عزوجل سواء في الدنيا أم الآخرة إلّا أنّه عزوجل جرت عادته على ترتب المسببات على الأسباب الظاهرية في دار الدنيا فيزعم الغافل السببية الحقيقية.
قوله تعالى : (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ). أي : خالدون في النار لا يمكنهم الرجوع إلى الدنيا ، جزاء لأعمالهم واعتقاداتهم السيئة.
بحوث المقام
بحث دلالي :
تتضمن الآيات الشريفة أمورا :
الأول : إنما عبّر سبحانه وتعالى بالاتخاذ للإشارة إلى أنه ليس من الصراط المستقيم وسواء السبيل بل فيه تكلف بإخراج الفطرة عن طريقتها وسبيلها المستقيم لأنّ الاتخاذ هو الافتعال وتدل المادة على كثرة العناية والاهتمام بما اتخذ وهو أعم من الحق والباطل ، قال تعالى : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) [سورة النساء ، الآية : ١٢٥] ، وقال تعالى : (أَرَأَيْتَ مَنِ