الثاني : ما تكون للدنيا والآخرة معا بحيث يجعل الدنيا وسيلة وذريعة للوصول إلى الكمال الأخروي.
الثالث : ما تكون للآخرة فقط بحيث لا نظر إلى الدنيا إلّا على نحو الآلية والمرآتية ، كما قال علي (عليهالسلام) : «صحبوا الدنيا أبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى». والقسمان الأخيران من صبغة الله ؛ ولكل منهما درجات متفاوتة ومراتب كثيرة.
قوله تعالى : (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ). المحاجة : المجادلة ، ومادة (ح ج ج) : تأتي بمعنى القصد والطلب ومنه «حج البيت» ، وحيث أن كل واحد من المتخاصمين والمتنازعين يطلب الغلبة على الآخر ويقصد جذبه أطلقت عليه المحاجة.
وتستعمل في كل من الحق والباطل ؛ قال تعالى : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) [سورة الأنعام ، الآية : ٨٣]. وقال تعالى : (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ) [سورة الأنعام ، الآية : ٨٠]. والعلوم الاستدلالية مشحونة من الإحتجاجات المتضادة المتناقضة مع العلم بكذب أحد الطرفين ، والعلماء وضعوا علما مستقلا مفصلا لبيان الحجة الصحيحة مادة وصورة والتمييز بينها وبين أنحاء المغالطة.
والمعنى : أتجادلوننا في الله وتدعون أنكم أحباء الله وأبناؤه والموحدون له وان دينكم الحق ، وأن النبوة فيكم مع أنّ رحمته وسعت كل شيء وكل عبيده ولا تختص رحمته بقوم دون آخرين ، وجميع تلك المقترحات باطلة ، وأن الله يختار ما يشاء و (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [سورة القصص ، الآية : ٦٨] ، وكيف يخصكم برحمته دون غيركم؟ (وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) ، والجميع عباده ، ورحمته واسعة ؛ وهو الرب والكل مربوبون له.
قوله تعالى : (وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ). مادة خلص ؛ تأتي بمعنى ذات الشيء وخاصته وزوال كل ما يشوبه وينافيه ، وقد استعملت في القرآن الكريم بهيئات مختلفة ، قال تعالى : (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ