ومن الخمس : (إِنَ (١) فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فى موضعين ، وليس لهما نظير. وخصّتا بالفكر ؛ لأن الأولى متصلة بقوله : (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) وأكثرها للأكل ، وبه قوام البدن ، فيستدعى تفكيرا وتأمّلا ، ليعرف به المنعم عليه فيشكره. والثانية متّصلة بذكر النحل ، وفيها أعجوبة : من انقيادها لأميرها ، واتّخاذها البيوت على أشكال يعجز عنها الحاذق منّا ، ثم تتبّعها الزهر والطلى (٢) من الأشجار ، ثم خروج ذلك من بطونها لعابا أو ونيما (٣) ، فاقتضى ذلك فكرا بليغا ، فختم فى الآيتين بالتفكّر.
قوله : (وَتَرَى (٤) الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) ، وفى الملائكة : (وَتَرَى (٥) الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا) ما فى هذه السورة جاء على القياس ؛ فإن (الْفُلْكَ) المفعول الأوّل لترى ، و (مَواخِرَ) المفعول الثانى ، و (فِيهِ) ظرف ، وحقّه التأخّر. والواو فى (وَلِتَبْتَغُوا) للعطف على لام العلة فى قوله : (لِتَأْكُلُوا مِنْهُ). وأمّا فى الملائكة فقدّم (فِيهِ) موافقة لما قبله ، وهو قوله : (لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا) فقدّم الجارّ والمجرور ، على الفعل والفاعل ، ولم يزد الواو على (لِتَبْتَغُوا) لأن اللام فى (لِتَبْتَغُوا) هنا لام العلة ، وليس يعطف على شىء قبله. ثم إن قوله : (وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ) و (فِيهِ مَواخِرَ) اعتراض فى السورتين يجرى مجرى المثل ، ولهذا وحّد الخطاب ،
__________________
(١) الآيتان ١١ ، ٦٩.
(٢) كذا ـ وقد يكون (الطلا) ـ بالألف لأنه من الواوى ـ وهو الصغير من كل شىء : يريد الصغير من الشجر.
(٣) هو فى الأصل خرء الذباب.
(٤) الآية ١٤.
(٥) الآية ١٢.