إثبات الباء هو الأصل ؛ كما فى (ن وَالْقَلَمِ) وغيرها من السّور ؛ لأن المعنى (١) لا يعمل فى المفعول به ، فقوّى بالباء. وحيث حذفت أضمر فعل يعمل فيما بعده. وخصّت هذه السّورة بالحذف موافقة لقوله : (اللهُ أَعْلَمُ (٢) حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) وعدل إلى لفظ المستقبل ؛ لأنّ الباء لمّا حذفت التبس اللفظ بالإضافة ـ تعالى الله عن ذلك ـ فنبّه بلفظ المستقبل على قطع الإضافة ؛ لأنّ أكثر ما يستعمل بلفظ (أفعل من) يستعمل مع الماضى ؛ أعلم من دبّ ودرج ، وأحسن من قام وقعد ، وأفضل من حجّ واعتمر. فتنبّه فإنّه من أسرار القرآن.
قوله : (فَسَوْفَ (٣) تَعْلَمُونَ) بالفاء حيث وقع ، وفى هود (سَوْفَ (٤) تَعْلَمُونَ) بغير فاء ؛ لأنّه تقدّم فى هذه السورة وغيرها (قُلْ) فأمرهم أمر وعيد بقوله (اعْمَلُوا) أى اعملوا فستجزون ، ولم يكن فى هود (قُلْ) فصار استئنافا. وقيل : (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) فى سورة هود صفة لعامل ، أى إنّى عامل سوف تعلمون (٥) ، فحذف الفاء.
قوله (سَيَقُولُ (٦) الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) ، وقال فى النحل : (وَقالَ (٧) الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا
__________________
(١) المعنى عند النحاة ما يتضمن معنى الفعل دون حروفه كاسم الاشارة والنداء والاستفهام ، ويلحق بها اسم التفضيل ، لأنه وان كان فيه حروف الفعل لا يتصرف تصرف الفعل ، فهو لا يجاوز الافراد والتذكير فى معظم أمره.
(٢) الآية ١٢٤.
(٣) الآية ١٣٥.
(٤) الآية ٩٣.
(٥) كذا والمناسب : «تعلمونه» ليكون فيه ضمير الموصوف.
(٦) الآية ١٤٨.
(٧) الآية ٣٥.