الارادة ليست في اللب على ثلاثة اقسام بل على قسمين.
فنقول من القيود الخارجة عن حيز القدرة قيد وقوع الفعل في الزمان الفلاني مثل الصوم في الغد ، فان تحصيل الغد خارج عن قدرة المكلف فلا بد من كون الارادة في حيّزه ولو فرض تعلق المصلحة على وجه الاطلاق بالصوم في الغد بحيث لو فرض انتفاء الغد وعدم مجيئه كان الغرض فائتا.
فان قلت : ما المراد بعدم المقدورية في هذا القيد؟ فان قيد كون الصوم واقعا في الغد يكون باختيار المكلف ، كما يكون نفس الصوم باختياره ، ولا يعتبر في اختيارية هذا القيد اختيارية وجود الغد ، اذ الحال في الزمان والمكان على نسق واحد ، ولا شك ان الارادة في قولك : «صل في المكان الفلاني» ارادة مطلقة لا مشروطة ، مع ان اصل وجود المكان خارج عن اختيار المكلف ، وسرّه انه يكفي كون وقوع العمل في هذا المكان تحت اختياره ، ولا يلزم كون وجود المكان تحت الاختيار في صحة الارادة المطلقة بغير الاشتراط ، فكذا الحال في الزمان ايضا ، فقد حصل لنا قسم ثالث ، وهو ان يكون الارادة غير واقعة في حيّز شيء وكان متعلقها فعلا واقعا في الزمان المستقبل.
قلت : سر صحة هذين الاطلاقين ، اعني صلّ في المكان الفلاني وصم في الغد ، بدون الاشتراط ان نفس المكان والزمان يكونان مفروضي الوجود ، وبعبارة اخرى ان هنا اشياء : الاول نفس وجود الزمان ، والثاني بقاء المكلف حيّا الى هذا الزمان ، والثالث كون الفعل في هذا الزمان ، فالمقدور من هذه الثلاثة هو الاخير فقط دون الاولين ، ولكن حيث كان الاولان مفروضى الوجود ، اوّلهما بالقطع ، والثاني بالاصل العقلائي ، اعني اصالة الحياة والسلامة ، فلهذا صح التكليف بالصوم في الغد على وجه الاطلاق.
وان شئت توضيح عدم صحة الارادة على نحو احاطت بالزمان او المكان فاقطع النظر عن القطع بوجودهما وكونهما مفروضي الوجود ، وافرضهما من الامور التي قد تحصل وقد لا تحصل ، اذ حينئذ لا يصح توجيه الطلب نحوهما على وجه الاطلاق ولا يمكن المولى الزام عبده بايجاد هذا المقيد بالمكان الفلاني او بالغد ، اذ قد ينعدم هذا المكان قبل وصول المكلف ، او لا يجىء الغد ، ولا يمكن العبد ان ياتي بهما في هذا الفرض ، والمفروض ان معنى توجيه الارادة على وجه الاطلاق كونها متشبّثة بتمام المتعلق من الذات والقيد ومقتضية لحصولهما عن قدرة المكلف ، غاية الامر انه يكفى حصول القيد لو كان حاصلا من غير قبل المكلف ، وليس حال الفعل في الزمان والمكان الا كحاله في اللباس الفلاني ، فكما انه لا بد في الاخير من تحصيل الصلاة في هذا اللباس ؛ فان كان موجودا عنده صلى فيه وان كان غير موجود وامكن شرائه او استيجاره