يحاسب الخلائق كلهم في مقدار لمح البصر» (١).
إنّ سبب هذه السرعة واضح. حيث إنّ الحساب منوط بالعلم والاطّلاع الكامل ومنوط أيضاً بالقدرة الخارقة. ورعاية العدالة.
وبما أنّ الله سبحانه وتعالى يمتلك الحدّ الأكمل من هذه الصفات لذا فانّه تعالى له القدرة على محاسبة جميع الناس في لمحة بصر.
إنّ وضع أعمال الإنسان والآثار التي تتركها في روحه وجسمه تذكّره دائماً ، فهي تحتفظ بنفسها بحساب جميع الأعمال ، ويمكن تشبيهها من هذه الجهة بالسيارات أو الطائرات أو السفن. حيث من الممكن حساب جميع ما قطعته السيارة أو الطائرة طيلة عمرها من خلال العدّاد (جهاز الكيلومتر) فكذلك حساب أعمالنا فلا تحتاج إلّاإلى نظرة واحدة لترى وتقرأ هذا المقياس في وجود الإنسان وعينه وأذنه ويده ورجله وروحه.
إنّ كل هذه التعابير لها أهداف تربوية هامة ، ويتضح هذا بشيء من التأمل والتدبّر في هذه الآيات.
* * *
لقد تحدّثت الآية الخامسة عشرة عن حساب أعمال العباد من قبل الله تبارك وتعالى فقالت صراحة : (إِنَّ إِلَيْنَا ايابَهُم* ثُمَّ إِنَّ عَلَينَا حِسَابَهُم).
في حين أنّ الآية السادسة عشرة تقول : (اقرأ كِتابَك كَفَى بِنَفسِكَ اليَوْمَ عَلَيكَ حَسِيباً) ، ولكن لا يوجد أي تضاد أو منافاة بين الاثنتين.
فالحسيب الأصل هو الله تبارك وتعالى ولكنّه يقول للإنسان أيضاً ، أنت تستطيع أن تُحاسب نفسك بنفسك ، وفي النتيجة تكون جميع المحاسبات واحدة ، لا تحيد عن الحق والعدل ، لماذا؟
لأنّ أدلة الحساب في غاية الوضوح والجزاء معين ، والقوانين الإلهيّة في ذلك اليوم
__________________
(١). تفسير مجمع البيان ، ج ١ و ٢ ، ص ٢٩٨.