لا يمكنها لوحدها إيجاد مثل هذه الآثار ، ومن المؤكد أنّ هذا الأثر ناتج عما يختلج في نفوس أصحابها من أحاسيس ومشاعر معنوية وروحية سامية تنعكس آثارها على أجسامهم ، وختام الآية شاهد على هذا المعنى أيضاً.
٧ ـ الشعور برضا الله
ليس هناك شعور يخامر الإنسان أكثر من شعوره برضا محبوبه وعزيز قلبه ، فهذا الشعور يثير لديه بهجة وارتياحاً لا يوصفان.
نعم ، إنّ نيل رضا المحبوب من أكبر اللذات المعنوية ، وهي لذّة ممزوجة بالشعور بالشخصية وقيمة الوجود ، لأنّه إن لم يكن يتحلّى بالقيمة والشخصية ، لما كان موضع قبول محبوبه الأكبر.
لقد أشار القرآن الكريم مراراً إلى هذه القضية المهمّة وجعل منها ركيزة يستند عليها ، فبعد الإشارة إلى الجنان اليانعة والأزواج المطّهرة ، ورد في قوله تعالى : (وَرِضوانٌ مِنَ اللهِ) (آل عمران / ١٥)
فهذه النعمة التي تُعتبر أفضل من جميع النعم قد لُخّصت في جملة قصيرة وبليغة.
وفي الآية ٧٢ من سورة التوبة ازيح الستار أكثر عن هذا الموضوع ، فبعد الإشارة إلى مجموعة من النعم المادية المتوفّرة في الجنّة ومنها الحدائق التي تجري من تحتها الأنهار والمساكن الطّيبة ، يقول تعالى : (وَرِضوَانٌ مِّنَ اللهِ اكبَرُ) ثم تُختتم الآية بالجملة : (ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ).
فاستخدام تعابير من أمثال «أكبر» و «ذلك هو الفوز العظيم» يُظهر بوضوح عدم وجود نعمة تضاهي هذه النعمة وبالشكل الذي يتضمن مفهوم الحصر وكأنّ الجملة تريد أن تقول : (ذلك هو الفوز العظيم لا غير).
لقد ذكرنا عدّة مَرّات عدم إمكانية تصوّر أيٍّ من النعم المادّية للعالم الآخر في نطاق هذا السجن الدنيوي المحدود ، فكيف يجوز ذلك بشأن نعمة روحية ومعنوية كبرى ألا وهي «رضوان الله».