اتّضح من خلال ما مرّ : أنّ أجواء الجنّة لا مثيل لها ولا نظير فهي في منتهى اللطافة والجمال والاعتدال ، كما نقرأ ذلك في قوله تعالى : (لايَروْنَ فِيهَا شَمساً وَلَا زَمهَرِيراً). (١) (٢) (الإنسان / ١٣)
أي أنّهم لا يرون شمساً يتأذون بحرها ولا زمهريراً يتأذون ببرده.
* * *
٣ ـ قصور أهل الجنّة
لقد أشارت آيات عديدة من القرآن إلى مساكن أهل الجنّة وبتعابير مختلفة ، قال تعالى : (ومَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ). (التوبة / ٧٢)
ولقد ورد نفس هذا التعبير في سورة الصف الآية ١٢.
«طيبة» : لها معنى واسع جدّاً يشمل جميع المزايا ، ومعناها في الأصل : الشيء الذي ترتضيه النفس الإنسانية ويبعث عند الإنسان (طيب النفس) ، أو أنّ السكن فيها مطهر وصالح في كل الأحوال ، وهذه الكلمة جمعت كل خواص السكن الجيد ، وقد عبرت سورة الفرقان عن المساكن بتعبير (غرفة) وتعني : البناء فوق البناء.
قال تعالى : (أُولئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرفَةَ بِمَا صَبَرُوا). (الفرقان / ٧٥)
«غرفة» : من مادة (غَرف) على وزن (فعل) : وتأتي بمعنى رفع شي وتناوله ، ويقال (غرفة) للشيء الذي يرفع ويتناول ، ثم اطلق ذلك على القسم العلوي للبناء (الغرفة كما قيل : البناء فوق البناء فهو الدرجة العالية من البيت وهي كناية عن الدرجة العالية في الجنّة).
وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ الغرف تتمتع بعدة خصائص فأجواؤها ألطف وأجمل الأجواء ومناظرها أحسن المناظر ، ومحلها يؤمن أفضل سكن لساكنيها ، وماتعبير «غرفة» إلّا إشارة إلى هذه الخيرات ، ولذا نقرأ في قوله تعالى : (وَهُم فِى الغُرُفاتِ آمِنُونَ). (سبأ / ٣٧)
__________________
(١). «زمهرير» مشتقة من مادة «زمهر» بمعنى شدة البرد أو شدة الغضب والمراد هنا المعنى الأول.
(٢). ورد نفس المعنى في سورة الواقعة ، ٣٠ ؛ ويس ، ٥٦ ؛ والمرسلات ، ٤١.