٤ ـ الأخلّاء والأصدقاء الأوفياء
ومن أهم اللذائذ الروحية الأخرى معاشرة الأصدقاء المخلصين والاخلّاء الذين يتصفون بالإيمان والسجايا الرفيعة ، ويفوح من أرواحهم عطر المحبّة والمودّة ، إنّ الجلوس مع هؤلاء لحظة واحدة يغمر النفس ببهجة لاتوصف ، وتذكر الآيات القرآنية الشريفة أنّ أهل الجنّة ينعمون بهذه النعم فيجالسون الأخلاء ويتحدثون إليهم ، ولكن ما هي المواضيع التي تدور حولها أحاديثهم؟ هذا ما لا يمكن التكهن به ، لعلهم يتحدثون في مواضيع يستحيل علينا إدراكها اليوم ، ولكن من البديهي أنّها من نوع الأحاديث التي تحيي القلوب.
تطالعنا الآيتان بما يأتي : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ انْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَآءِ والصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) (١) * ذلِكَ الفَضْلُ مِنَ اللهِ (وَكَفَى بِاللهِ عَلِيماً). (النساء / ٦٩ ـ ٧٠)
نعم ، إنّ الأخلاء في الجنّة هم خيرة ذوي الفضائل في العالم : كالأنبياء العظام والخلّص من أصحابهم والصديقين والشهداء والصالحين.
ولو قارنا هذا مع ما يجري في هذه الدنيا حيث يضطر الناس في كثير من الأحيان إلى تحمل العذاب الناتج عن معاشرة أشخاص لا يجمعهم وإيّاهم انسجام أو ترابط ، يمكن حينذاك فهم طبيعة الأوضاع الموجودة في الجنّة.
والذي يسترعي الاهتمام هنا أنّ الكثير من المفسرين قد نقلوا روايات عديدة بشأن نزول هذه الآية ، ننقل فيما يلي ملخّصها (مع وجود بعض الاختلاف بين المفسرين في النقل) :
يروى إنّها نزلت في ثوبان مولى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، إذ كان شديد الحبّ لرسول الله صلىاللهعليهوآله قليل الصبر عنه فأتاه يوماً وقد تغير وجهه ونحل جسمه وعرف الحزن في وجهه ، فسأله رسول الله صلىاللهعليهوآله عن حاله ، فقال : يارسول الله ما بي وجع غير إني إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت
__________________
(١). يرى البعض أنّ كلمة «رفيقا» جاءت هنا تمييزاً ولهذا وردت مفردة ، واعتبرها البعض الآخر حالاً. وان مجيئهامفردة (مع أنّ الحال جمع) إمّا لكون كلمة رفيق تعني المفرد وتعني الجمع أيضاً أو تضمنها لمعنى الجنس.