أشارت إلى هذا المعنى وخاصّة الجملة التي تنص على : (وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ). (الحجّ / ٢١)
وجملة : (وَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ) التي تُقال لهم من باب التقريع والاستهانة تُعتبر هي الاخرى نموذجاً لهذا العذاب النفسي (١).
كثرة اللوم والتقريع :
نواجه في الآية الرابعة صورة جديدة للإهانة والاحتقار التي يلقاها أصحاب النّار وهذا ـ كما قلنا ـ نوع من العذاب النفسي الأليم ، وتقول الآية المباركة : (رَبَّنَا اخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَانَّا ظَالِمُونَ)، فيقال لهم من قبل الله تعالى : (قَالَ اخسَئُوا فِيهَا وَلَاتُكَلِّمُونَ).
وقد صَرّح جميع أصحاب اللغة والمفسرون بأنّ كلمة «اخسأ» تعبير يُستخدم لطرد الكلب وإن استخدامه هنا فيه دلالة على احتقار هؤلاء الظلمة والمستكبرين.
ولعل كلمة «لاتكلّمون» أكثر منها مرارة واستهانة ، فالمولى الكريم الرحيم يطرد عبده ويقول له لا تكلّمني أبداً ، وهذا هو نفس المعنى الذي أشارت إليه العبارة الواردة في دعاء كميل : «فهبني ياإلهي وسيّدي ومولاي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك».
ولكن لماذا يواجه هؤلاء مثل هذا العذاب النفسي القاتل؟ تزيح الآيات التالية الستار عن هذه القضّية فتقول : (انَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّن عِبَادِى يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارحَمْنَا وَانتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ* فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى انْسَوْكُمْ ذِكرِى وَكُنْتُمْ مِّنهُمْ تَضْحَكُونَ). (المؤمنون / ١٠٩ ـ ١١٠)
فكانت نتيجة ذلك الاستهزاء والضحك على المؤمنين أن أصبحتم اليوم عرضة للاستهزاء والاحتقار ، وهذا في الحقيقة تجسيد لأعمالكم!
* * *
__________________
(١). كلمة «الحريق» وإن كانت هنا اسم مصدر إلّاأنّ لها معنى الفاعل ، أمّا على قول البعض الآخر فهي صيغة مبالغة (أو صفة مشبّهة» ، وعلى قول الراغب ف «الحريق» هنا بمعنى النّار وهذا التفسير يبدو أكثر ملائمة لأنّه أضاف العذاب إلى الحريق.