أبدية العذاب :
طرحت الآية الثالثة مسألة أبدية العذاب في جهنّم لفئة من أصحاب الجحيم ، ولكن بتعبير آخر يمتاز بصراحة أكثر ، فتقول : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِى النَّارِ لَهُم فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ* خَالِدِينَ فِيهَا مَادَامَتِ السَّموَاتُ وَالأَرضُ) ، وفي الختام تستثني فتقول : (الَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ انَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ).
(من البديهي أنّ السماء والأرض لن يكون لهما وجود آنذاك ، وأنّ السموات والأرض اللتين تتحدث عنهما الآيات القرآنية ، تقومان بعد زوال الأرض والسماء الحاليتين ، وهما خالدتان إلى الأبد).
قال البعض : إنّ هذا التعبير في اللغة العربية كناية عن الأبدية ، إذ يوجد في اللغة العربية الكثير من التعابير المستخدمة بمعنى الأبدية. مثل «مالاح كوكب» أو مثل ماورد في كلامه عليهالسلام حين اعترض عليه الجهلة بسبب تقسيمه بيت المال بالتساوي وكانوا يطمعون في أن يميز بين الناس في العطاء كما كان يفعل الخليفة الثالث ظناً منهم أنّ هذا الاسلوب سيُسهم في تثبيت ركائز حكمه ، فقال لهم الإمام عليهالسلام : «أتأمُرُنىّ أن اطلب النصر بالجور فيمن وليّت عليه ، والله لا أطور به ما سَمَر سمير وما أمَّ نجم في السماء» (١).
ويلاحظ في شتّى اللغات تعابير من أمثال هذه ففيها دلالة على الاستمرارية والدوام والأبدية.
ويبقى هنا سؤال واحد وهو : إن كانت الآية أعلاه تعني أبدية العقوبة فما مفهوم الاستثناء الوارد في نهايتها وهو «إلّا ماشاء ربّك»؟ فالذي يبدو من ظاهر هذا الاستثناء على أقل تقدير هو عدم أبدية العذاب لفئة معينة منهم ، بل ويحتمل أيضاً شموله لهم جميعاً ، وستكون النتيجة معكوسة في مثل هذه الحالة.
وقد نقل بعض المفسّرين من أمثال المفسّر الكبير المرحوم الطبرسي في مجمع البيان عشرة أوجه لهذا الاستثناء عن علماء التفسير ، إلّاأننا تجنّبنا نقلها هنا لضعفها وعدم أهمّيتها
__________________
(١). نهج البلاغة ، الخطبة ١٢٦.