الراتعة تتبع الأم ، وتقتضي ما تقضي به الإشارة حتى أن الظبية تكمن ولدها فيكمن ، والشاة تلزم طلاها الكناس فلا يريمه ، والهوام تلازم مرابضها وأدجالها وأحجرتها لإشارة أمها إلى ذلك ، والفراخ لا تفارق وكناتها وأعشاشها إلا بترشيح الوالدين لها إلى ذلك وإلا فهي على وضعها الأول ، لا تفارقه ولا تتحول.
فإذا كان ذلك كذلك فيما ذكرنا فما عذر الإنسان ، الذي ميزه الله سبحانه على سائر الحيوان ، وخصه بالنطق واللسان ، والعقل والبرهان ، ولو لا أدلة العقل وصحة ما ورد به الكتاب والرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لألزمنا الولد اتباع الوالد على كل حال ، من هدى وضلال ، وذلك لوجوب موالاته فما يسقط ذلك إلا أن حق الباري أولى ، ودفع الضرر على النفس أحرى.
وقد أكدنا ما أمرنا به من أمدنا الله تعالى به من الذرية التي نرجو من الله تعالى تطييبها وتزكيتها وصلاحها باتباع ما وضعه لنا الآباء سلام الله عليهم ، وألقيناه إلى الأولاد كما ألقوه علينا ، فإن أبانا رحمهالله ونور ضريحه قال لنا في بعض أيامه التي حضنا فيها على طاعة الله ربنا ، فجزاه الله عنا خيرا قولا معناه : (ما عذركم في معصية الله إن عصيتموه ، وما أعلم بينكم وبين جدكم علي بن أبي طالب عليهالسلام وأبيكم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلا إماما سابقا أو مقتصدا أو عبدا صالحا وكذلك الأمهات ، وأما أنا فحالي ما تعلمون) فأحاله إلى علمنا فيه ، وما علمنا منه رحمة الله عليه إلا الصلاح قولا وعملا ، وتفصيلا وجملا ، وعلما وتعليما ، وتدقيقا وتجسيما ، فجزاه الله عنا خيرا ، وكان يعد في أعيان العترة ويرجا منه لهذه الأمة كشف الغمة وتعجيل النصرة.