الكفارة ، وإن قتله عمدا ، فقال الشافعي : إن قتله وهو يعلم بإسلامه فعليه القود.
قال : فكيف يتأتّى الخلاف إذا كان كافرا بإقامته في دار الحرب؟
الكلام في ذلك : أنّ هذا كلام في حكم قتل المسلم في دار الحرب من قبل أن يهاجر ، فهو دليل على وجوب الهجرة التي تقدّم ذكرها ، وليس في المسألة أنه ترك الهجرة مختارا من غير عذر ، إذ لو كان كذلك لكانت المسألة خلافا ، وإنما ذكر قتله قبل الهجرة في دار الحرب ؛ لأن الخلاف هل هدرها خاصّ أو عام؟ وهل قتله فيها شبهة يدرأ القود أم لا؟ وليس في حكم المذكور ، فتأمل ذلك موفقا إن شاء الله تعالى.
وقول الشافعي : إن علم بإسلامه فعليه القود ، ودليله الظواهر في قتل المؤمن : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) [المائدة : ٤٥] ، ولم يسقطه شبهة الدار.
وعندنا : أن القود جار مجرى الحدود ويسقط بالشبهة ، كما أنّا نسقطه إذا اشترك في قتل المكلف والصبي أو الإنسان والسبع ، أو اتهامه فله وجه يوجبه ووجه يسقطه فأسقطناه لذلك ، وكذلك هذه الدار التي هي دار الحرب هدر ما فيها ، وللإسلام حرمة يمنع جانبه فأسقطه وجه وأوجبه وجه فسقط عندنا ، والشافعي لم ير ذلك ، فهذا الذي توجّه فيه الخلاف.
وأما جواز السكنى في دار الحرب ، وأن لا هجرة على من أسلم فيها ، وما حكم من أقام فيها مختارا من غير ضرورة؟ فلم يذكر ذلك ، فنذكر ما يبتني عليه ، ولو خالف فيه فقيه أو عالم مثلا لم نترك ما قلنا فقد كفّرنا كثيرا ممّن لم يكفّره الفقهاء ، بل هو عندهم قدوة في الدين ، فالخلاف يتأتّى كما بينّاه ، فتأمله تجده كما قلنا إن شاء الله.