فكأن هذا المال كان غائبا عن المسلمين فرجع إليهم ، والغنيمة هو المال المستفاء ، غنم نقيض غرم ، قالت عذر في بعض أيامها في الجاهلية ، قالوا : ولم نغنم غيره ، وقال الشاعر :
وقد طوفت بالآفاق حتى |
|
رضيت من الغنيمة بالإياب |
وإن لم يهمز الفيء فأصله الظل ، فكأن الذي يأخذ المال في ظل لبرد لذة المال ، وآية الفيء في سورة الأنفال فقد ذكرنا أن الله تعالى لما ملّكها نبيه قسمها على بواء (معناه على سواء) فهي غنيمة ، وجعل أيده الله ذلك أصنافا ، وكرّر الفيء في صنفين ، وليس ذلك من القسمة في شيء وإنما هو الفيء ، وإنما اختلفت الأحكام باختلافه (أي الحكم).
وأما سورة الحشر فاعلم أيدك الله أن سورة الحشر كلها نزلت في بني النضير بأسرها ، يذكر فيها تعالى ما أصابهم من نقمة ، وما سلّط عليهم رسوله ، وما عمله فيهم فقال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ ...) إلى آخر السورة [الحشر : ٢].
ولا بدّ لنا أن نذكر طرفا من القصة لنعرف معاني الحكمة ، لما كان من عامر بن الطفيل لعنه الله في أهل بئر معونة ما كان ، ولم يسلم منهم إلا عمرو بن أميّة الضمري ، ورجل آخر أعتقه عامر عن نذر أمه في عتق نسمة ، ولما رجع عمرو بن أميّة لأنه كان في الركاب يرعاها فنجا لما رأى أصحابه قد أحيط بهم ، فلقيه رجلان من بني عامر في ذمة من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقتلهما ، فوادهما النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وخرج إلى بني النضير ليستعينهم في الدية ، قالوا : نعم ، يا أبا القاسم نعينك ، وهموا بإلقاء صخرة عليه ، فجاءه العلم من السماء ، فأعلم أصحابه