حالا من أولئك لأن أولئك لم يرتكبوا منكرا مما أجمع على قبحه ، كالزنى ، وشرب الخمر ، بل كان أكثر الناس تشديدا فيه الخوارج خاصة من أصحاب علي عليهالسلام لأنهم كفروا من فعله، وعليّ فسق من فعله ، وعندنا أن للفاسقين دارا بين الدارين كما أن لهم اسما بين الاسمين ، ولهم حكم بين الحكمين ؛ أما إن للفاسقين اسما فقد تقرر ذلك من مذهب الزيدية والمعتزلة وظهر دليله ، وأما أن لهم دارا فإنما الدار مسماة بساكنها دار الكافرين بسكون الكافرين إياها ونفاذ أحكامهم فيها ، ودار المؤمنين بمثل ذلك ، ودار الفاسقين بمثله فكل دار سكنها الفاسقون وظهرت فيه أحكامهم فهي دار الفاسقين حقيقة ، وحكمها جواز حرب أهلها ومغزاتها ، وتغنم أموالها ، والعبيد وغيرهم ، ويكون الحكم عموما فيمن نفذت عليه الأحكام للظالمين ، كما أن دار الحرب اسم لكل دار ملكها الكفار ونفذت أحكامهم فيها ولم يظهر فيها دين الإسلام إلا بذمة وجوار ، كما أن مكة حرسها الله كانت دار حرب لوجود هذه العلة فيها قبل الفتح ، وتفصيل هذه الجملة يطول ، ودليلها أوضح دليل.
وأما ما ذكره من المعهود في الشريعة أن الذين يجب قتالهم أصناف المشركين والمرتدون والمحاربون والبغاة فلنلحق بهم أبقاه الله الفساق المتأخرين عن أئمة الهدى ولا عجب أن يحدث حال لها حكم أفليس عمر لما افتتح بلاد المجوس قال : ما أصنع بقوم لا كتاب لهم أنشد الله رجلا سمع من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم شيئا في المجوس إلا ذكره. فقال عبد الرحمن سمعته يقول : «سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير آكلي ذبائحهم ولا ناكحي نسائهم» (١) فما ظنك لو لم يجد نصا ما كان يعمل أفليس كان يجتهد رأيه مستجيزا الله سبحانه ، أفليس قد اجتهد رأيه في
__________________
(١) الحديث في موسوعة أطراف الحديث النبوي ٥ / ٢٤٤ وعزاه إلى الطبراني ١٩ / ٤٣٧ ، والبيهقي ٩ / ١٨٩ ، ومصنف ابن أبي شيبة ٣ / ٢٢٤ ، ١٢ / ٢٤٣ ، ومصنف عبد الرزاق ١٠٠٢٥ ، ١٩٢٥٣ ، وهو في بدائع المنن للساعاتي ١١٨٣ ، ومسند الشافعي ٢٠٩ ، وموطأ مالك ٢٧٨ ، وتلخيص الحبير ٣ / ١٧١ ، والدر المنثور ٣ / ٢٢٩ ، وتفسير ابن كثير ٣ / ٣٧ ، والقرطبي ٨ / ١١١ ، وكنز العمال ١١٤٠٩.