سلمنا أن الوجود هو المصحح لرؤية الألوان ، والأجسام فقط ؛ ولكن إنما يلزم منه (١) صحة رؤية (١) البارى ـ تعالى ـ أن لو كان وجوده مماثلا لوجود الممكنات ؛ وليس كذلك ، وإلا لكان ما ثبت لأحدهما ثابتا للآخر.
ويلزم من ذلك أن يكون وجود الرب تعالى ممكنا ، أو أن يكون وجود الممكنات واجبا ، أو أن يكون كل واحد منهما واجبا ، وممكنا ؛ وهو محال.
سلمنا أن مسمى وجود واجب الوجود ، مماثلا لوجود الممكنات ؛ ولكن لا نسلم أنه يلزم من وجود المصحح ، وجود الصحة في حق البارى ـ تعالى ـ ؛ لجواز أن لا يكون قابلا لها ؛ وذلك لأن الحكم كما يتوقف على وجود المصحح ، يتوقف على وجود القابل ، أو أن تكون ذات البارى ـ تعالى ـ مختصة بما يمنع من صحة الرؤية عليها.
ولهذا فإن كون الواحد في الشاهد حيا ؛ مصحح لكونه متألما ، ومشتهيا ، وجائعا ، وعطشانا ، ومريضا ، وصحيحا ، إلى غير ذلك. والبارى ـ سبحانه وتعالى ـ مساو في كونه حيا للشاهد. ومع ذلك : فيمتنع ثبوت هذه الأحكام في حقه.
سلمنا دلالة ما ذكرتموه على كون الرب ـ تعالى ـ مرئيا ؛ ولكن لنفسه ، أو لنا؟
الأول : مسلم. والثانى : ممنوع.
وبيانه ما / سبق في مسألة السمع ، والبصر من الأدلة (٢) المانعة من كون الرب ـ تعالى ـ بصيرا ؛ فإنها بعينها تدل على امتناع كونه مرئيا لنا.
سلمنا دلالة ما ذكرتموه على كونه مرئيا لنا ؛ ولكنه منتقض بأمرين :
الأول : بصفة المخلوقية ؛ فإنها ثابتة للجواهر ، والأعراض ، وذلك يستدعى مصححا مشتركا ؛ ولا مشترك غير الوجود ، والحدوث ، والحدوث ليس بعلة كما بينتم ؛ فكان الوجود هو العلة ، والبارى ـ تعالى ـ مشارك للجواهر ، والأعراض في معنى الوجود ، وما لزم صحة المخلوقية عليه.
الثانى : هو أنا كما ندرك الأجسام ، والألوان بإدراك البصر ؛ فندرك الأجسام ، والأعراض الملموسة ؛ باللمس. ولا بدّ من مصحح للإدراك باللمس. ولا مصحح غير
__________________
(١) فى ب (صحة الرؤية).
(٢) فى ب (الدلالة).