وكان للآمدى وتلاميذه دور بارز في شجب هذا الصنيع ، يقول ابن واصل «ولمّا ورد الخبر إلى دمشق بتسليم القدس إلى الفرنج ؛ أخذ الملك الناصر في التشنيع على عمه الملك الكامل ، وتقدّم إلى الشيخ شمس الدين يوسف سبط ابن الجوزى الواعظ (تلميذ الآمدي) ـ وكان له قبول عند الناس ـ فى الوعظ في أن يجلس بجامع دمشق للوعظ ، ويذكر فضائل القدس ، وما ورد فيه من الأخبار ، والآثار ، وأن يحزّن الناس ، ويذكر ما في تسليمه إلى الكفّار من الصّغار للمسلمين والعار ، وقصد بذلك تنفير الناس من عمه ؛ ليناصحوه في قتاله ؛ فجلس شمس الدين للوعظ كما أمره ، وحضر الناس لاستماع وعظه ، وكان يوما مشهودا ، وعلا يومئذ ضجيج الناس وبكاؤهم ، وعويلهم ... فلم ير في ذلك اليوم إلا باك ، أو باكية» (١).
ويؤكد سبط ابن الجوزى ما أورده ابن واصل فيقول في كتابه مرآة الزمان «وأشار الملك الناصر داود بأن أجلس بجامع دمشق ، وأذكر ما جرى على بيت المقدس ؛ فما أمكننى مخالفته ؛ فرأيت من جملة الدّيانة الحميّة للإسلام وموافقته ؛ فجلست بجامع دمشق ، وحضر الناصر داود على باب مشهد على ، وكان يوما مشهودا ، لم يتخلف من أهل دمشق احد» (٢).
وبعد أن تم للأشرف ما أراد ، واستقرّ بدمشق أعلنها حربا شعواء على رجال دولة الناصر حتى هرب معظمهم ، واستغل التعصب المذهبى لدى بعض أصحاب المذاهب أسوأ استغلال ؛ فاستقطب جماعة من الفقهاء ، والظاهريين ، والصوفية معه ، وأراد إرضاءهم ، وإرضاء العامة ، وبالتالى يغطى على جريمته الشنعاء.
وقد كان المعظم عيسى ، وابنه الناصر داود يتميزان بسعة الأفق ، وبمحبة العلم وأهله ، واشتهر عن الناصر بأنه يقرب الفلاسفة إليه ؛ بل إنه طلب من الآمدي أن يؤلف له (فرائد الفوائد) ؛ فألّفه بناء على اقتراحه كما مر ؛ فانتهز الأشرف هذه الفرصة في التشنيع على عهد الناصر ، وأبيه المعظم ، وأعلنها حربا شعواء على من بقى بدمشق من رجال عهده ـ وعلى رأسهم الآمدي ـ ؛ فانتهز حسّاد الآمدي وهم كثر ـ ومخالفوه هذه الفرصة ، والتفّوا حول السلطان ؛ لكى يصلوا إلى أهدافهم ، وأصدروا الفتاوى التى تبرّر للأشرف
__________________
(١) مفرج الكروب ٤ / ٢٤٥ ، ٢٤٦.
(٢) مرآة الزمان ٨ / ٤٣٢.