وهو غير سديد ، فإنه إنما يكون تكليفا بما لا يطاق ؛ أن لو كان ما توقف الواجب (١) على فعله غير ممكن ، وعدم إيجابه لا يخرجه عن الإمكان ؛ فالأقرب (٢) فى ذلك أن يقال:
إذا ثبت وجوب المعرفة ؛ فالمعرفة من جهة حقيقتها وماهيتها ، لا توصف بالوجوب الثابت بخطاب التكليف ؛ فإن خطاب التكليف بالوجوب ، والتحريم : إنما يتعلق بأفعال المكلفين ، والمعرفة ليست من صفات الأفعال ؛ ولهذا لا يقال لمن عرف شيئا من جهة كونه عارفا أنه فعل شيئا. فإذا قيل بوجوب المعرفة ؛ فمعناه وجوب تحصيلها ، والتحصيل إنما يكون بسلوك ما به تحصل المعرفة.
فإذا قلنا : يجب التحصيل بما ليس واجبا ؛ كان متناقضا لفظا ، ومعنى ، وهو ممتنع.
وأما ما يتوقف عليه الواجب مما ليس فعلا للمكلف ، ولا مقدورا له ؛ فلا يمكن إيجابه إلا على رأى من لا يمنع التكليف بما لا يطاق ، بخلاف ما كان مقدورا للمكلف : كالنظر ، ونحوه.
قولهم : لم ينقل عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ولا عن أحد من الصحابة الخوض فى النظر ، فى مثل هذه المسائل.
قلنا : لأنهم كانوا مشاهدين الوحى ، والتنزيل ، وعقائدهم صافية ، وأدلّتهم من الكتاب والسنة ظاهرة ، ولم يكن فى زمانهم / من يحوج إلى النظر ، والمناظرة.
أما أن يكونوا جاهلين بأدلة هذه المسائل ، ومعرفة الله ـ تعالى ـ وصفاته ، مع صفاء أذهانهم ، وشدّة قرائحهم ، وصلابتهم فى (٣) التنقير عن قواعد الدين ، وتحقيق مراسمه ـ والكتاب والسنة مشحونان بأدلتها ـ مع معرفة الآحاد منا لذلك ؛ فهو بعيد ، لا يعتقده من له أدنى تحصيل ، كما لم ينقل عنهم أنهم وضعوا كتبا فى التفسير ، والحديث ، والجرح والتعديل ، والناسخ والمنسوخ ، والأحكام الفقهية ، على الترتيب الخاص ، والمراسم
__________________
(١) فى ب (الإيجاب).
(٢) فى ب (والأقرب).
(٣) فى ب (مع).