وأما الفلاسفة فإنهم ناقضوا في الكلام وهو باطل من وجهين. أحدهما قولهم إن الله تعالى متكلم مع انهم لا يثبتون كلام النفس ولا يثبتون الأصوات في الوجود ، وإنما يثبتون سماع الصوت بالحلق في اذن النبي من غير صوت من خارج ، ولو جاز ان يكون ذلك بما يحدث في دماغ غيره موصوفا بأنه متكلم لجاز ان يكون موصوفا بأنه مصوت ومتحرك لوجود الصوت والحركة في غيره ، وذلك محال ، والثاني أن ما ذكروه رد للشرع كله ؛ فإن ما يدركه النائم خيال لا حقيقة له ، فإذا رددت معرفة النبي لكلام الله تعالى إلى التخيل الذي يشبه اضغاث أحلام فلا يثق به النبي ولا يكون ذلك علما ، وبالجملة هؤلاء لا يعتقدون الدين والاسلام وانما يتجملون بإطلاق عبارات احتراز من السيف والكلام معهم في أصل الفعل ، وحدث العالم والقدرة فلا تشتغل معهم بهذه التفصيلات.
فإن قيل أفتقولون ان صفات الله تعالى غير الله تعالى؟ قلنا : هذا خطأ فإنا اذا قلنا الله تعالى ، فقد دللنا به على الذات مع الصفات لا على الذات بمجردها ، إذ اسم الله تعالى لا يصدق على ذات قد أخلوها عن صفات الالهية ، كما لا يقال الفقه غير الفقيه ويد زيد غير زيد ويد النجار غير النجار ، لأن بعض الداخل في الاسم لا يكون عين الداخل في الاسم ، فيد زيد ليس هو زيد ولا هو غير زيد بل كلا اللفظين محال. وهكذا كل بعض فليس غير الكل ولا هو بعينه الكل ، فلو قيل الفقه غير الانسان فهو تجوز ولا يجوز أن يقال غير الفقيه ، فإن الانسان لا يدل على صفة الفقه ، فلا جرم يجوز أن يقال الصفة غير الذات التي تقوم بها الصفة ، كما يقال العرض القائم بالجوهر هو غير الجوهر على معنى ان مفهوم اسمه غير مفهوم اسم الآخر. وهذا حصر جائز بشرطين :
أحدهما ، أن لا يمنع الشرع من اطلاقه ، وهذا مختص بالله تعالى ، والثاني ، أن لا يفهم من الغير ما يجوز وجوده دون الذي هو غيره بالإضافات إليه ،