وأما العلم بالشيء فلا يخالف العلم بغيره إلا من جهة تعلقه بالمتعلق ، فلا يبعد أن تتميز الصفة القديمة بهذه الخاصية وهو أن لا يوجب تباين المتعلقات فيها تباينا وتعددا ، فإن قيل فليس في هذا قطع دابر الإشكال ، لأنك إذ اعترفت بإختلاف ما بسبب اختلاف المتعلق ، فالإشكال قائم ، فما لك وللنظر في سبب الاختلاف بعد وجود الاختلاف ..
فأقول : غاية الناصر لمذهب معين أن يظهر على القطع ترجيح اعتقاده على اعتقاد غيره ، وقد حصل هذا على القطع ، إذ لا طريق إلا واحد من هذه الثلاث ، أو اختراع رابع لا يعقل ، وهذا الواحد إذا قوبل بطرفيه المتقابلين له علم على القطع رجحانه ، وإذ لم يكن بد من اعتقاد ولا معتقد إلا هذه الثلاث ، وهذا أقرب الثلاث ، فيجب اعتقاده وإن بقي ما يحبك في الصدر من اشكال يلزم على هذا ، واللازم على غيره أعظم منه وتعليل الإشكال ممكن إما قطعه بالكلية والمنظور فيه هي الصفات القديمة المتعالية عن افهام الخلق فهو أمر ممتنع إلا بتطويل لا يحتمله الكتاب ، هذا هو الكلام العام.
وأما المعتزلة فإنا نخصهم بالاستفراق بين القدرة والإرادة ، ونقول لو جاز ان يكون قادرا بغير قدرة جاز ان يكون مريدا بغير إرادة ولا فرقان بينهما.
فإن قيل : هو قادر لنفسه فلذلك كان قادرا على جميع المقدورات ولو كان مريدا لنفسه لكان مريدا لجملة المرادات ، وهو محال ، لأن المتضادات يمكن إرادتها على البدل لا على الجمع ، وأما القدرة فيجوز أن تتعلق بالضدين.
والجواب أن نقول : قولوا انه مريد لنفسه ثم يختص ببعض الحادثات المرادات كما قلتم قادر لنفسه ولا تتعلق قدرته إلا ببعض الحادثات ، فإن جملة أفعال الحيوانات والمتولدات خارجة عن قدرته وإرادته جميعا عندكم ، فإذا جاز ذلك في القدرة جاز في الإرادة أيضا.