القدرة التي عنها يصدر الفعل قوة مفكرة ، فإن أثبتم في النفس شيئا سوى نفس الفكر الذي هو ترتيب الألفاظ والمعاني وتأليفها ، وسوى القوة المفكرة التي هي قدرة عليا وسوى العلم بالمعاني مفترقها ومجموعها ، وسوى العلم بالألفاظ المرتبة من الحروف مفترقها ومجموعها فقد أثبتم أمرا منكرا لا نعرفه ، وإيضاحه أن الكلام إما أمر أو نهي أو خبر أو استخبار.
أما الخبر فلفظ يدل على علم في نفس المخبر ، فمن علم الشيء وعلم اللفظ الموضوع للدلالة على ذلك الشيء كالضرب مثلا فإنه معنى معلوم يدرك بالحس ، ولفظ الضرب الذي هو مؤلف من الضاد والراء والباء الذي وضعته العرب للدلالة على المعنى المحسوس وهي معرفة أخرى ، فكان له قدرة على اكتساب هذه الأصوات بلسانه ، وكانت له إرادة للدلالة وإرادة لاكتساب اللفظ ثم منه قوله ضرب ولم يفتقر إلى أمر زائد على هذه الامور. فكل أمر قدرتموه سوى هذا فنحن نقدر نفيه ، ويتم مع ذلك قولك ضرب ويكون خبرا وكلاما ، وأما الاستخبار فهو دلالة على أن في النفس طلب معرفة ، وأما الأمر فهو دلالة على أن في النفس طلب فعل المأمور وعلى هذا يقاس النهي وسائر الأقسام من الكلام ولا يعقل أمر آخر خارج عن هذا وهذه الجملة ، فبعضها محال عليه كالأصوات وبعضها موجود لله كالارادة والعلم والقدرة ، وأما ما عدا هذا نغير مفهوم.
والجواب أن الكلام الذي نريده معنى زائد على هذه الجملة ولنذكره في قسم واحد من أقسام الكلام وهو الأمر حتى لا يطول الكلام.
فنقول : قول السيد لغلامه قم ، لفظ يدل على معنى ، والمعنى المدلول عليه في نفسه هو كلام ، وليس ذلك شيئا مما ذكرتموه ، ولا حاجة إلى الإطناب في التقسيمات وإنما بتوهم رده ما أراد إلى الأمر أو إلى إرادة الدلالة ومحال أن يقال إنه إرادة الدلالة ، لأن الدلالة تستدعي مدلولا والمدلول غير الدليل وغير إرادة الدلالة ، ومحال أن يقال إنه إرادة الآمر ، لأنه قد