خلق الأصوات فهو كمال ولكن المتكلم ليس متكلما باعتبار قدرته على خلق الأصوات فقط بل باعتبار خلقه للكلام فى نفسه ، والله تعالى قادر على خلق الأصوات فله كمال القدرة ولكن لا يكون متكلما به إلا إذا خلق الصوت في نفسه ، وهو محال إذ يصير به محلا للحوادث فاستحال أن يكون متكلما ؛ وإن أريد بالكلام أمر ثالث فليس بمفهوم وإثبات ما لا يفهم محال.
قلنا : هذا التقسيم صحيح والسؤال في جميع أقسامه معترف به إلا في إنكار القسم الثالث ، فإنا معترفون باستحالة قيام الأصوات بذاته وباستحالة كونه متكلما بهذا الاعتبار ، ولكنا نقول الإنسان يسمى متكلما باعتبارين أحدهما بالصوت والحرف والآخر بكلام النفس الذي ليس بصوت وحرف ، وذلك كمال وهو في حق الله تعالى غير محال ، ولا هو دال على الحدوث. ونحن لا نثبت في حق الله تعالى إلا كلام النفس ، وكلام النفس لا سبيل إلى إنكاره في حق الإنسان زائدا على القدرة والصوت حتى يقول الانسان زوّرت البارحة في نفسي كلاما ويقال في نفس فلان كلام وهو يريد أن ينطق به ويقول الشاعر :
لا يعجبنك من أثير خطه |
|
حتى يكون مع الكلام أصيلا |
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما |
|
جعل اللسان على الفؤاد دليلا |
وما ينطق به الشعراء يدل على أنه من الجليات التي يشترك كافة الخلق في دركها فكيف ينكر.
فإن قيل : كلام النفس بهذا التأويل معترف به ولكنه ليس خارجا عن العلوم والإدراكات وليس جنسا برأسه البتة ، ولكن ما يسميه الناس كلام النفس وحديث النفس هو العلم بنظم الألفاظ والعبارات وتأليف المعاني المعلومة على وجه مخصوص فليس في القلب إلا معاني معلومة وهي العلوم وألفاظ مسموعة هي معلومة بالسماع ، وهو أيضا علم معلوم اللفظ. وينضاف إليه تأليف المعاني والألفاظ على ترتيب. وذلك فعل يسمى فكرا وتسمى