أراد إثبات الكلام بأن العقل يقضي بجواز كون الخلق مرددين تحت الأمر والنهي وكل صفة جائزة في المخلوقات تستند إلى صفة واجبة في الخالق ، فهو في شطط ، إذ يقال له : إن أردت جواز كونهم مأمورين من جهة الخلق الذين يتصور منهم الكلام ، فمسلم ، وإن أردت جوازه على العموم من الخلق والخالق فقد أخذت محل النزاع مسلما في نفس الدليل وهو غير مسلم. ومن أراد إثبات الكلام بالإجماع أو بقول الرسول فقد سام نفسه خطة خسف لأن الإجماع يستند إلى قول الرسول عليهالسلام ومن أنكر كون الباري متكلما فبالضرورة ينكر تصور الرسول ، إذ معنى الرسول المبلغ لرسالة المرسل ، فإن لم يكن للكلام متصور في حق من ادعى أنه مرسل كيف يتصور الرسول؟ ومن قال أنا رسول الأرض أو رسول الجبل إليكم فلا يصغى إليه لاعتقادنا استحالة الكلام والرسالة من الجبل والأرض ، ولله المثل الأعلى ، ولكن من يعتقد استحالة الكلام في حق الله تعالى استحال منه أن يصدق الرسول إذ المكذب بالكلام لا بد ان يكذب بتبليغ الكلام ، والرسالة عبارة عن تبليغ الكلام ، والرسول عبارة عن المبلغ ، فلعل الأقوم منهج ثالث وهو الذي سلكناه في اثبات السمع والبصر في أن الكلام للحي اما ان يقال هو كمال أو يقال هو نقص ، أو يقال لا هو نقص ولا هو كمال. وباطل ان يقال هو نقص أو هو لا نقص ولا كمال فثبت بالضرورة أنه كمال ، وكل كمال وجد للمخلوق فهو واجب الوجود للخالق بطريق الأولى كما سبق.
فإن قيل : الكلام الذي جعلتموه منشأ نظركم هو كلام الخلق ، وذلك إما أن يراد به الأصوات والحروف أو يراد به القدرة على ايجاد الأصوات والحروف في نفس القادر أو يراد به معنى ثالث سواهما ، فإن أريد به الأصوات والحروف فهي حوادث ومن الحوادث ما هي كمالات في حقنا ولكن لا يتصور قيامها في ذات الله سبحانه وتعالى ، وإن قام بغيره لم يكن هو متكلما به بل كان المتكلم به المحل الذي قام به ؛ وإن أريد به القدرة على