الصفة الخامسة والسادسة في السمع والبصر :
ندعي ان صانع
العالم سميع بصير ، ويدل عليه الشرع والعقل ، أما الشرع فيدل عليه آيات من القرآن
كثيرة كقوله (وَهُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ) وكقول إبراهيم عليهالسلام (لِمَ تَعْبُدُ ما لا
يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) ونعلم أن الدليل غير منقلب عليه في معبوده وأنه كان يعبد
سميعا بصيرا ولا يشاركه في الإلزام.
فإن قيل : إنما
أريد به العلم.
قلنا : إنما تصرف
ألفاظ الشارع عن موضوعاتها المفهومة السابقة إلى الأفهام إذا كان يستحيل تقديرها
على الموضوع ، ولا استحالة في كونه سميعا بصيرا ، بل يجب أن يكون كذلك ، فلا معنى
للتحكم بإنكار ما فهمه أهل الإجماع من القرآن.
فإن قيل : وجه
استحالته انه إن كان سمعه وبصره حادثين كان محلا للحوادث ، وهو محال ، وإن كانا
قديمين فكيف يسمع صوتا معدوما وكيف يرى العالم في الأزل والعالم معدوم والمعدوم لا
يرى؟
قلنا : هذا السؤال
يصدر عن معتزلي أو فلسفي ، أما المعتزلي فدفعه هين ، فإنه سلم أنه يعلم الحادثات ،
فنقول : يعلم الله الآن ان العالم كان موجودا قبل هذا فكيف علم في الأزل أنه يكون
موجودا وهو بعد لم يكن موجودا؟ فإن جز إثبات صفة تكون عند وجود العالم علما بأنه
كائن ، وفعله بأنه سيكون وبعده بأنه كان وقبله بأنه سيكون ، وهو لا يتغير عبر عنه
بالعلم بالعالم والعلمية ، جاز ذلك في السمع والسمعية والبصر والبصرية ، وإن صدر
من فلسفي فهو منكر لكونه عالما بالحادثات المعينة الداخلة في الماضي والحال
__________________