والمستقبل ، فسبيلنا أن ننقل الكلام إلى العلم ونثبت عليه جواز علم قديم متعلق بالحادثات كما سنذكره ، ثم إذا ثبت ذلك في العلم قسنا عليه السمع والبصر.
وأما المسلك العقلي ، فهو أن نقول : معلوم أن الخالق أكمل من المخلوق ، ومعلوم أن البصير أكمل ممن لا يبصر ، والسميع أكمل ممن لا يسمع ، فيستحيل أن يثبت وصف الكمال للمخلوق ولا نثبته للخالق. وهذان أصلان يوجبان الإقرار بصحة دعوانا ففي أيهما النزاع؟
فإن قيل : النزاع في قولكم واجب أن يكون الخالق أكمل من المخلوق.
قلنا : هذا مما يجب الاعتراف به شرعا وعقلا ، والأمة والعقلاء مجمعون عليه ، فلا يصدر هذا السؤال من معتقد ، ومن اتسع عقله لقبول قادر يقدر على اختراع ما هو أعلى وأشرف منه فقد انخلع عن غريزة البشرية ونطق لسانه بما ينبو عن قبوله قلبه إن كان يفهم ما يقوله ، ولهذا لا نرى عاقلا يعتقد هذا الاعتقاد.
فإن قيل : النزاع في الأصل الثاني ، وقولكم إن البصير أكمل وإن السمع والبصر كمال.
قلنا : هذا أيضا مدرك ببديهة العقل ، فإن العلم كمال والسمع والبصر كمال ثان للعلم ، فإنا بينا أنه استكمال للعلم والتخيل ، ومن علم شيئا ولم يره ثم رآه استفاد مزيد كشف وكمال فكيف يقال إن ذلك حاصل للمخلوق وليس بحاصل للخالق أو يقال إن ذلك ليس بكمال ، فإن لم يكن كمالا فهو نقص أو لا هو نقص ولا هو كمال ، وجميع هذه الأقسام محال ، فظهر ان الحق ما ذكرناه.
فإن قيل : هذا يلزمكم في الإدراك الحاصل بالشم والذوق واللمس لأن فقدها نقصان ووجودها كمال في الإدراك ، فليس كمال علم من علم الرائحة ككمال علم من أدرك بالشم ، وكذلك بالذوق فأين العلم بالطعوم من إدراكها بالذوق.