العبد معقول دون أن تكون الحركة مقدورة للعبد ، فمهما خلق الحركة وخلق معها قدرة عليها كان هو المستبد بالاختراع للقدرة والمقدور جميعا. فخرج منه أنه منفرد بالاختراع وأن الحركة موجودة وأن المتحرك عليها قادر وبسبب كونه قادرا فارق حاله حال المرتعد فاندفعت الإشكالات كلها ، وحاصله أن القادر الواسع القدرة هو قادر على الاختراع للقدرة والمقدور معا ، ولما كان اسم الخالق والمخترع مطلقا على من أوجد الشيء بقدرته وكانت القدرة والمقدور جميعا بقدرة الله تعالى ، سمي خالقا ومخترعا. ولم يكن المقدور مخترعا بقدرة العبد وإن كان معه فلم يسم خالقا ولا مخترعا ووجب أن يطلب لهذا النمط من النسبة اسم آخر مخالف فطلب له اسم الكسب تيمنا بكتاب الله تعالى ، فإنه وجد إطلاق ذلك على أعمال العباد في القرآن وأما اسم الفعل فتردد في إطلاقه ولا مشاحة في الأسامي بعد فهم المعاني.
فإن قيل : الشأن في فهم المعنى وما ذكرتموه غير مفهوم ، فإن القدرة المخلوقة الحادثة إن لم يكن لها تعلق بالمقدور لم تفهم ؛ إذ قدرة لا مقدور لها محال ، كعلم لا معلوم له. وإن تعلقت به فلا يعقل تعلق القدرة بالمقدور إلا من حيث التأثير والايجاد وحصول المقدور به. فالنسبة بين المقدور والقدرة نسبة المسبب إلى السبب وهو كونه به ، فإذا لم يكن به لم تكن علاقة فلم تكن قدرة ، إذ كل ما لا تعلق له فليس بقدرة إذ القدرة من الصفات المتعلقة.
قلنا : هي متعلقة ، وقولكم أن التعلق مقصور على الوقوع به يبطل بتعلق الإرادة والعلم ، وإن قلتم أن تعلق القدرة مقصور على الوقوع بها فقط فهو أيضا باطل ، فإن القدرة عندكم تبقى إذا فرضت قبل الفعل ، فهل هي متعلقة أم لا؟ فإن قلتم لا فهو محال ، وإن قلتم نعم فليس المعني بها وقوع المقدور بها ، إذ المقدور بعد لم يقع فلا بد من إثبات نوع آخر من التعلق سوى الموقوع بها ، إذ التعلق عند الحدوث يعبر عنه بالوقوع