المنفك عن الزوايا الخارجة عن الاستقامة ، والثاني ، أن الأشكال المستديرة إذا وضعت متراصة بقيت بينها فرج معطلة لا محالة ، والثالث ، أن أقرب الأشكال القليلة الأضلاع إلى المستديرة في الاحتواء هو شكل المسدس ، والرابع أن كل الأشكال القريبة من المستديرة كالمسبع والمثمن والمخمس إذا وضعت جملة متراصة متجاورة بقيت بينها فرج معطلة ولم تكن متلاصقة ، وأما المربعة فإنها متلاصقة ولكنها بعيدة عن احتواء الدوائر لتباعد زواياها عن أوساطها ، ولما كان النحل محتاجا إلى شكل قريب من الدوائر ليكون حاويا لشخصه فإنه قريب من الاستدارة ، وكان محتاجا لضيق مكانه وكثرة عدده إلى أن لا يضيع موضعا بفرج تتخلل بين البيوت ولا تتسع لأشخاصها ولم يكن في الأشكال مع خروجها عن النهاية شكل يقرب من الاستدارة وله هذه الخاصية وهو التراص والخلو عن بقاء الفرج بين أعدادها إلا المسدس ، فسخرها الله تعالى لاختيار الشكل المسدس في صناعة بيتها ؛ فليت شعري أعرف النحل هذه الدقائق التي يقصر عن دركها أكثر عقلاء الإنس أم سخره لنيل ما هو مضطر إليه الخالق المنفرد بالجبروت وهو في الوسط مجري فتقدير الله تعالى يجري عليه وفيه ، وهو لا يدريه ولا قدرة له على الامتناع عنه. وإن في صناعات الحيوانات من هذا الجنس عجائب لو أوردت منها طرفا لامتلأت الصدور من عظمة الله تعالى وجلاله ، فتعسا للزائغين عن سبيل الله المغترين بقدرتهم القاصرة ومكنتهم الضعيفة الظانين أنهم مساهمون الله تعالى في الخلق والاختراع وإبداع مثل هذه العجائب والآيات. هيهات هيهات! ذلت المخلوقات وتفرد بالملك والملكوت جبار الارض والسموات فهذه أنواع الشناعات اللازمة على مذهب المعتزلة فانظر الآن إلى أهل السنة كيف وفقوا للسداد ورشحوا للاقتصاد في الاعتقاد ، فقالوا : القول بالجبر محال باطل ، والقول بالاختراع اقتحام هائل ، وإنما الحق إثبات القدرتين على فعل واحد ، والقول بمقدور منسوب إلى قادرين فلا يبقى