ولا عدمه ونجرد النظر إلى ذات العالم فيبقى له بهذا الاعتبار الأمر الثالث وهو الإمكان ، ونعني به أنه ممكن لذاته ، أي إذا لم نشترط غير ذاته كان ممكنا فظهر منه أنه يجوز أن يكون الشيء الواحد ممكنا محالا ، ولكن ممكنا باعتبار ذاته محالا باعتبار غيره ، ولا يجوز أن يكون ممكنا لذاته محالا لذاته ، فهما متناقضان فنرجع إلى خلاف المعلوم فنقول : إذا سبق في علم الله تعالى إماتة زيد صبيحة يوم السبت مثلا فنقول : خلق الحياة لزيد صبيحة يوم السبت ممكن أم ليس بممكن؟ فالحق فيه أنه ممكن ومحال ؛ أي هو ممكن باعتبار ذاته إن قطع الالتفات إلى غيره ، ومحال لغيره لا لذاته وذلك إذا اعتبر معه الالتفات إلى تعلق ذاتها وهو ذات العلم ، إذ ينقلب جهلا ، ومحال أن ينقلب جهلا فبان أنه ممكن لذاته محال للزوم استحالة في غيره. فاذا قلنا حياة زيد في هذا الوقت مقدورة ، لم نرد به إلا أن الحياة من حيث أنها حياة ليس بمحال ، كالجمع بين السواد والبياض. وقدرة الله تعالى من حيث أنها قدرة لا تنبو عن التعلق بخلق الحياة ولا تتقاصر عنه لفتور ولا ضعف ولا سبب في ذات القدرة ، وهذان أمران يستحيل إنكارهما ، أعني نفي القصور عن ذات القدرة وثبوت الإمكان لذت الحياة من حيث أنها حياة فقط من غير التفات الى غيرها ، والخصم إذا قال غير مقدور على معنى أن وجوده يؤدي إلى استحالة فهو صادق في هذا المعنى ، فإنا لسنا ننكره ويبقى النظر في اللفظ هل هو صواب من حيث اللغة إطلاق هذا الاسم عليه أو سلبه ، ولا يخفى أن الصواب إطلاق اللفظ فإن الناس يقولون فلان قادر على الحركة والسكون ، إن شاء تحرك وإن شاء سكن ، ويقولون إن له في كل وقت قدرة على الضدين ويعلمون أن الجاري في علم الله تعالى وقوع أحدهما ، فالاطلاقات شاهدة لما ذكرناه وحظ المعنى فيه ضروري لا سبيل الى جحده.
الفرع الثاني : إن قال قائل إذا ادعيتم عموم القدرة في تعلقها بالممكنات ، فما قولكم في مقدورات الحيوان وسائر الأحياء من المخلوقات ، أهي