وهكذا .. وهو الذي عنيناه بقولنا إن قدرته تعالى متعلقة بكل ممكن فان الإمكان لا ينحصر في عدد. ومناسبة ذات القدرة لا تختص بعدد دون عدد ولا يمكن أن يشار إلى حركة فيقال أنها خارجة عن إمكان تعلق القدرة بها ، مع أنها تعلقت بمثلها اذ بالضرورة تعلم أن ما وجب للشيء وجب لمثله ويتشعب عن هذا ثلاثة فروع.
الفرع الأول : إن قال قائل هل تقولون أن خلاف المعلوم مقدور؟
قلنا : هذا مما اختلف فيه ، ولا يتصور الخلاف فيه إذا حقق وأزيل تعقيد الألفاظ وبيانه أنه قد ثبت أن كل ممكن مقدور وأن المحال ليس بمقدور ، فانظر أن خلاف المعلوم محال أو ممكن ولا تعرف ذلك إلا اذا عرفت معنى المحال والممكن وحصلت حقيقتهما وإلا فإن تساهلت في النظر ، ربما صدق على خلاف المعلوم أنه محال وأنه ممكن وأنه ليس بمحال ، فاذا صدق أنه محال وأنه ليس بمحال والنقيضان لا يصدفان معا.
فاعلم أن تحت اللفظ اجمالا وإنما ينكشف لك ذلك بما اقوله وهو أن العالم مثلا يصدق عليه أنه واجب وأنه محال وأنه ممكن. أما كونه واجبا فمن حيث أنه إذا فرضت إرادة القديم موجودة وجودا واجبا كان المراد أيضا واجبا بالضرورة لا جائزا ، اذ يستحيل عدم المراد مع تحقق الإرادة القديمة وأما كونه محالا فهو أنه لو قدر عدم تعلق الإرادة بايجاده فيكون لا محالة حدوثه محالا إذ يؤدي إلى حدوث حادث بلا سبب وقد عرف أنه محال. وأما كونه ممكنا فهو أن تنظر إلى ذاته فقط ، ولا تعتبر معه لا وجود الإرادة ولا عدمها ، فيكون له وصف الإمكان ، فاذا الاعتبارات ثلاثة :
الأول أن يشترط فيه وجود الإرادة وتعلقها فهو بهذا الاعتبار واجب.
الثاني أن يعتبر فقد الإرادة فهو بهذا الاعتبار محال.
الثالث أن نقطع الالتفات عن الإرادة والسبب فلا نعتبر وجوده