فنقول : الواحد قد يطلب ويراد به أنه لا يقبل القسمة ، أي لا كمية له ولا جزء ولا مقدار ، والباري تعالى واحد بمعنى سلب الكمية المصححة للقسمة عنه ؛ فإنه غير قابل للانقسام. إذ الانقسام لما له كمية ، والتقسيم تصرف في كمية بالتفريق والتصغير ، وما لا كمية له لا بتصور انقسامه ، وقد يطلق ويراد أنه لا نظير له في رتبته كما تقول الشمس واحدة ، والباري تعالى أيضا بهذا المعنى واحد ؛ فإنه لا ندّ له ، فأما انه لا ضدّ له فظاهرا ، إذ المفهوم من الضد هو الذي يتعاقب مع الشيء على محل واحد ولا تجامع وما لا محل له فلا ضد له ، والباري سبحانه لا محل له فلا ضدّ له.
وأما قولنا لا ندّ له ، نعني به أن ما سواه هو خالقه لا غير ، وبرهانه أنه لو قدر له شريك لكان مثله في كل الوجوه أو أرفع منه أو كان دونه. وكل ذلك محال ، فالمفضي إليه محال ، ووجه استحالة كونه مثله من كل وجه أن كل اثنين هما متغايران ، فإن لم يكن تغاير لم تكن الاثنينية معقولة ، فإنّا لا نعقل سوادين إلا في محلين ، أو في محل واحد في وقتين ، فيكون أحدهما مفارقا للآخر ومباينا له ومغايرا إما في المحل وإما في الوقت ، والشيئان تارة يتغايران بتغاير الحدّ والحقيقة ، كتغاير الحركة واللون فإنهما وإن اجتمعا في محل واحد في وقت واحد فهما اثنان ، إذ أحدهما مغاير للآخر بحقيقته ، فإن استوى اثنان في الحقيقة والحد كالسوادين ، فيكون الفرق بينهما إما في المحل أو في الزمان ؛ فإن فرض سوادان مثلا في جوهر واحد في حالة واحدة كان محالا إذ لم تعرف الاثنينية ، ولو جاز أن يقال هما اثنان ولا مغايرة ، لجاز أن يشار إلى إنسان واحد ويقال أنه انسانان بل عشرة وكلها متساوية متماثلة في الصفة والمكان وجميع العوارض واللوازم ، من غير فرقان ، وذلك محال بالضرورة ، فإن كان ندّ الله سبحانه متساويا له في الحقيقة والصفات استحال وجوده ، إذ ليس مغايره بالمكان إذ لا مكان ولا زمان فإنهما قديمان ، فاذا لا فرقان ، وإذا ارتفع كل فرق ارتفع العدد بالضرورة ، ولزمت الوحدة. ومحال أن يقال يخالفه بكونه أرفع منه. فإن الأرفع هو الإله والإله عبارة عن