انطباع النفس في الحائط ، فيقال إن هذا ظاهر الاستحالة : فإن من تباعد عن مرآة منصوبة في حائط بقدر ذراعين يرى صورته بعيدة عن جرم المرآة بذراعين ، وإن تباعد بثلاثة أذرع فكذلك ، فالبعيد عن المرآة بذراعين كيف يكون منطبعا في المرآة وسمك المرآة ربما لا يزيد على سمك شعيرة؟ فإن كانت الصورة في شيء وراء المرآة فهو محال ، إذ ليس وراء المرآة الا جدار أو هواء أو شخص آخر هو محجوب عنه ، وهو لا يراه. وكذا عن يمين المرآة ويسارها وفوقها وتحتها وجهات المرآة الست ، وهو يرى صورة بعيدة عن المرآة بذراعين ، فلنطلب هذه الصورة من جوانب المرآة : فحيث وجدت فهو المرئي ولا وجود لمثل هذه الصورة المرئية في الأجسام المحيطة بالمرآة إلا في جسم والناظر ، فهو المرئي إذا بالضرورة. وقد تطلب المقابلة والجهة ولا ينبغي أن تستحقر هذا الإلزام فإنه لا مخرج للمعتزلة عنه ، ونحن نعلم بالضرورة أن الانسان لو لم يبصر نفسه قط ولا عرف المرآة وقيل له أن يمكن أن تبصر نفسك في مرآة الحكم بأنه محال ، وقال لا يخلو إما أن أرى نفسي وأنا في المرآة فهو محال ، أو أرى مثل صورتي في جرم المرآة وهو محال ، أو في جرم وراء المرآة وهو محال ، أو المرآة في نفسها صورة وللأجسام المحيطة بها جسم صور ، ولا تجتمع صورتان في جسم واحد إذ محال أن يكون في جسم واحد صورة إنسان وحديد وحائط وإن رأيت نفسي حيث أنا فهو محال ، إذ لست في مقابلة نفسي فكيف أرى نفسي ، ولا بد بين المقابلة بين الرائي والمرئي وهذا التقسيم صحيح عند المعتزلي ومعلوم أنه باطل ، وبطلانه عندنا لقوله إني لست في مقابلة نفسي فلا أراها وإلا فسائر أقسام كلامه صحيحة ، فبهذا يستبين ضيق حوصلة هؤلاء عن التصديق بما لم يألفوه ولم تأنس به حواسهم.
المسلك الثاني ، وهو الكشف البالغ أن تقول إنما أنكر الخصم الرؤية لأنه لم يفهم ما تريده بالرؤية ولم يحصل معناها على التحقيق ، وظن أنّا نريد بها حالة تساوي الحالة التي يدركها الرأي عند النظر إلى الأجسام والألوان