على الحدوث ، سوّى بينه وبين الأجسام والأعراض في جواز تعلق العلم بذاته وصفاته. والرؤية نوع علم لا يوجب تعلقه بالمرئي تغير صفة ولا يدل على حدوث ، فوجب الحكم بها على كل موجود ، فان قيل : فكونه مرئيا يوجب كونه بجهة وكونه بجهة يوجب كونه عرضا أو جوهرا وهو محال ، ونظم القياس أنه إن كان مرئيا فهو بجهة من الرأي وهذا اللازم محال فالمفضي إلى الرؤية محال.
قلنا : أحد الأصلين من هذا القياس مسلّم لكم ، وهو أن هذا اللازم محال ، ولكن الأصل الأول وهو ادعاء هذا اللازم على اعتقاد الرؤية ممنوع.
فنقول لم قلتم انه إن كان مرئيا فهو بجهة من الرأي ، أعلمتم ذلك بضرورة ، أم بنظر؟ ولا سبيل إلى دعوى الضرورة ، وأما النظر فلا بد من بيانه. ومنتهاهم أنهم لم يروا إلى الآن شيئا إلا وكان بجهة من الرأي مخصوصة ، فيقال : وما لم ير فلا يحكم باستحالته ، ولو جاز هذا لجاز للمجسم أن يقول إنه تعالى جسم ، لأنه فاعل ، فإننا لم نر إلى الآن فاعلا إلا جسما. أو يقول إن كان فاعلا وموجودا فهو إما داخل العالم وإما خارجه ، وإما متصل وإما منفصل ، ولا تخلو عنه الجهات الست ، فإنه لم يعلم موجود إلا وهو كذلك فلا فضل بينكم وبين هؤلاء. وحاصله يرجع إلى الحكم بأن ما شوهد وعلم ينبغي أن لا يعلم غيره الا على وفقه ، وهو كمن يعلم الجسم وينكر العرض ويقول : لو كان موجودا لكان يختص بحيز ويمنع غيره من الوجود بحيث هو كالجسم. ومنشأ هذا إحالة موجودات اختلاف الموجودات في حقائق الخواص مع الاشتراك في أمور عامة ، وذلك بحكم لا اصل له ، على أن هؤلاء لا يغفل عن معارضتهم بأن الله يرى نفسه ويرى العالم وهو ليس بجهة من نفسه ولا من العالم ، فإذا جاز ذلك فقد بطل هذا الخيال. وهذا مما يعترف به أكثر المعتزلة ولا يخرج عنه لمن اعترف به ومن أنكر منهم فلا يقدر على انكار رؤية الانسان نفسه في المرآة ، ومعلوم أنه ليس في مقابلة نفسه فإن زعموا أنه لا يرى نفسه وإنما يرى صورة محاكية لصورته منطبعة في المرآة