دُخانٌ) (١). وأما قوله صلىاللهعليهوسلم (ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا) (٢) فللتأويل فيه مجال من وجهين :
أحدهما ، في اضافة النزول إليه وأنه مجاز ، وبالحقيقة هو مضاف إلى ملك من الملائكة كما قال تعالى (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (٣) والمسئول بالحقيقة أهل القرية ، وهذا أيضا من المتداول في الألسنة ، أعني إضافة أحوال التابع إلى المتبوع ، فيقال : ترك الملك على باب البلد ، ويراد عسكره ، فإن المخبر بنزول الملك على باب البلد قد يقال له هلّا خرجت لزيارته فيقول لا. لأنه عرج في طريقه على الصيد ولم ينزل بعد ، فلا يقال له فلم نزل الملك والآن تقول لم ينزل بعد؟ فيكون المفهوم من نزول الملك نزول العسكر. وهذا جلي واضح.
والثاني ، أن لفظ النزول قد يستعمل للتلطف والتواضع في حق الخلق كما يستعمل الارتفاع للتكبر ، يقال فلان رفع رأسه إلى عنان السماء ، أي تكبر ، ويقال ارتفع إلى أعلى عليين ، أي تعظم ؛ وإن علا أمره يقال : أمره في السماء السابعة ؛ وفي معارضته إذا سقطت رتبته يقال : قد هوى به إلى اسفل السافلين ؛ وإذا تواضع وتلطف له تطامن إلى الارض ونزل إلى أدنى الدرجات ، فإذا فهم هذا وعلم أن النزول عن الرتبة بتركها أو سقوطها وفي النزول عن الرتبة بطريق التلطف وترك العقل الذي يقتضيه علو الرتبة وكمال الاستغناء ، فبالنظر إلى هذه المعاني الثلاثة التي يتردد اللفظ بينها ما الذي يجوزه العقل؟
أما النزول بطريق الانتقال فقد أحاله العقل كما سبق ، فإن ذلك لا يمكن إلا في متحيز ، وأما سقوط الرتبة فهو محال لأنه سبحانه قديم بصفاته
__________________
(١) سورة فصلت الآية : ١١.
(٢) راجع ص ١٠٢.
(٣) سورة يوسف الآية : ٨٢.