وجلاله ولا يمكن زوال علوه ، وأما النزول بمعنى اللطف والرحمة وترك الفعل اللائق بالاستغناء وعدم المبالاة فهو ممكن ، فيتعين التنزيل عليه ، وقيل إنه لما نزل قوله تعالى : (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ) (١) استشعر الصحابة رضوان الله عليهم من مهابة عظيمة واستبعدوا الانبساط في السؤال والدعاء مع ذلك الجلال ، فأخبروا أن الله سبحانه وتعالى مع عظمة جلاله وعلو شأنه متلطف بعباده رحيم بهم مستجيب لهم مع الاستغناء إذا دعوه ، وكانت استجابة الدعوة نزولا بالإضافة الى ما يقتضيه ذلك الجلال من الاستغناء وعدم المبالاة. فعبر عن ذلك بالنزول تشجيعا لقلوب العباد على المباسطة بالأدعية بل على الركوع والسجود ، فإن من يستشعر بقدر طاقته مبادي جلال الله تعالى استبعد سجوده وركوعه. فإن تقرب العباد كلهم بالإضافة إلى جلال الله سبحانه أحس من تحريك العبد إصبعا من أصابعه على قصد التقرب إلى ملك من ملوك الأرض ، ولو عظم به ملكا من الملوك لاستحق به التوبيخ ، بل من عادة الملوك زجر الأرزال عن الخدمة والسجود بين أيديهم والتقبيل لعتبة دورهم استحقارا لهم عن الاستخدام وتعاظما عن استخدام غير الأمراء والاكابر ، كما جرت به عادة بعض الخلفاء. فلولا النزول عن مقتضى الجلال باللطف والرحمة والاستجابة لاقتضى ذلك الجلال أن يبهت القلوب عن الفكر ، ويخرس الألسنة عن الذكر ، ويخمد الجوارح عن الحركة ، فمن لاحظ ذلك الجلال وهذا اللطف استبان له على القطع أن عبارة النزول مطابقة للجلال ومطلقة في موضوعها لا على ما فهمه الجهال ؛ فإن قيل فلم خصص السماء الدنيا؟ قلنا : هو عبارة عن الدرجة الأخيرة التي لا درجة بعدها ، كما يقال سقط إلى الثرى وارتفع إلى الثريا ، على تقدير أن الثريا أعلى الكواكب والثرى أسفل المواضع. فإن قيل : فلم خصص بالليالي ، فقال ينزل كل ليلة؟ قلنا : لأن الخلوات مظنة الدعوات والليالي أعدت لذلك ،
__________________
(١) ـ سورة غافر الآية : ١٥.