الثاني : العقل المحض ، فإنّا إذا قلنا : العالم أما قديم مؤخر ، وإما حادث مقدم ، وليس وراء القسمين قسم ثالث ، وجب الاعتراف به على كل عاقل. مثاله أن تقول : كل ما لا يسبق الحوادث فهو حادث ، والعالم لا يسبق الحوادث فهو حادث ، فأحد الأصلين قولنا أن ما لا يسبق الحوادث فهو حادث.
ويجب على الخصم الإقرار به ، لان ما لا يسبق الحادث إما أن يكون مع الحادث أو بعده ولا يمكن قسم ثالث. فإن ادعى قسما ثالثا كان منكرا لما هو بديهي في العقل ، وإن انكر أن ما هو مع الحادث أو بعده ليس بحادث فهو أيضا منكر للبديهة.
الثالث : التواتر ، مثاله أنّا نقول محمد صلوات الله وسلامه عليه صادق لأن كل من جاء بالمعجزة فهو صادق ، وقد جاء هو بالمعجزة فهو إذا صادق. فإن قيل أنّا لا نسلم أنه جاء بالمعجزة فنقول : قد جاءنا بالقرآن والقرآن معجزة ، فاذا قد جاء بالمعجزة. فإن سلّم الخصم أحد الاصلين وهو أن القرآن معجزة ، اما بالطوع او بالدليل ، وأراد إنكار الأصل الثاني وهو أنه قد جاء بالقرآن ، وقال لا أسلم أن القرآن مما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم تسليما ، لم يمكنه ذلك لان التواتر يحصل العلم به كما حصل لنا العلم بوجوده وبدعواه النبوة وبوجود مكة ووجود موسى وعيسى وسائر الأنبياء صلوات الله عليهم اجمعين.
الرابع : أن يكون الأصل مثبتا بقياس آخر يستند بدرجة واحدة أو درجات كثيرة إما الى الحسيات أو العقليات أو المتواترات ، فإن ما هو فرع الأصلين يمكن أن يجعل اصلا في قياس آخر. مثاله أنّا بعد أن نفرغ من الدليل على حدوث العالم يمكننا أن نجعل حدوث العالم أصلا في نظم قياس ، مثلا ان نقول كل حادث فله سبب والعالم حادث فإذا له سبب ، فلا يمكنهم انكار كون العالم حادثا بعد أن أثبتنا بالدليل حدوثه.