الخامس : السمعيات ، مثاله انا ندعي مثلا ان المعاصي بمشيئة الله تعالى ، ونقول كل كائن فهو بمشيئة الله تعالى والمعاصي كائنة فهي إذا بمشيئة الله تعالى ؛ فأما قولنا هي كائنة فمعلوم وجودها بالحس ، وكونها معصية بالشرع ، واما قولنا كل كائن بمشيئة الله تعالى فاذا انكر الخصم ذلك منعه الشرع مهما كان مقرا بالشرع أو كان قد اثبت عليه بالدليل فإنّا نثبت هذا الاصل بإجماع الأمة على صدق قول القائل ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فيكون السمع مانعا من الانكار.
السادس : أن يكون الاصل مأخوذا من معتقدات الخصم ومسلماته. فإنه وإن لم يقم لنا عليه دليل او لم يكن حسيا ولا عقليا ، انتفعنا باتخاذه إياه أصلا في قياسنا وامتنع عليه الإنكار الهادم لمذهبه. وامثلة هذا مما تكثر فلا حاجة الى تعيينه. فإن قلت : فهل من فرق بين هذه المدارك في الانتفاع بها في المقاييس النظرية؟ فاعلم أنها متفاوتة في عموم الفائدة ، فإن المدارك العقلية والحسية عامة مع كافة الخلق إلّا من لا عقل له ولا حس له وكان الأصل معلوما فالحس الذي فقده كالأصل المعلوم بحاسة البصر إذا استعمل مع الأكمه فإنه لا ينفع ، والاكمه اذا كان هو الناظر لم يمكنه أن يتخذ ذلك اصلا ، وكذلك المسموع في حق الاصم. وأما المتواتر فإنه نافع ولكن في حق من تواتر إليه ، فاما من لم يتواتر إليه ممن وصل إلينا في الحال من مكان بعيد لم تبلغه الدعوة فأردنا أن نبين له بالتواتر أن نبينا وسيدنا محمدا صلىاللهعليهوسلم تسليما وعلى آله وصحبه تحدى بالقرآن ، لم يقدر عليه ما لم يمهله مدة من يتواتر عنده ، ورب شيء يتواتر عند قوم دون قوم ، فقول الشافعي رحمهالله تعالى في مسألة قتل المسلم بالذمي متواتر عند الفقهاء من أصحابه دون العوام من المقلدين وكم من مذهب له في أحاد المسائل لم يتواتر عند اكثر الفقهاء وأما الأصل المستفاد من قياس آخر فلا ينفع الا مع من قدر معه ذلك القياس.