الرتبة الثالثة : الذين يصدقون بالصانع والنبوة ويصدقون النبي ، ولكن يعتقدون أمورا تخالف نصوص الشرع ولكن يقولون أن النبي محق ، وما قصد بما ذكره إلا صلاح الخلق ولكن لم يقدر على التصريح بالحق لكلال أفهام الخلق عن دركه ، وهؤلاء هم الفلاسفة ، ويجب القطع بتكفيرهم في ثلاثة مسائل وهي : إنكارهم لحشر الأجساد والتعذيب بالنار ، والتنعيم في الجنة بالحور بالعين والمأكول والمشروب والملبوس ، والأخرى : قولهم إن الله لا يعلم الجزئيات وتفصيل الحوادث وإنما يعلم الكليات ، وإنما الجزئيات تعلمها الملائكة السماوية. والثالثة : قولهم إن العالم قديم وإن الله تعالى متقدم على العالم بالرتبة مثل تقدم العلة على المعلول ، وإلا فلم تر في الوجود إلا متساويين ، وهؤلاء إذا أوردوا عليهم آيات القرآن زعموا أن اللذات العقلية تقصر الأفهام عن دركها ، فمثل لهم ذلك باللذات الحسية وهذا كفر صريح ، والقول به إبطال لفائدة الشرائع وسد لباب الاهتداء بنور القرآن واستبعاد للرشد من قول الرسل ، فإنه إذا جاز عليهم الكذب لأجل المصالح بطلت الثقة بأقوالهم فما من قول يصدر عنهم إلا ويتصور أن يكون كذبا ، وإنما قالوا ذلك لمصلحة. فإن قيل : فلم قلتم مع ذلك بأنهم كفرة؟ قلنا لأنه عرف قطعا من الشرع أن من كذب رسول الله فهو كافر وهؤلاء مكذبون ثم معللون للكذب بمعاذير فاسدة وذلك لا يخرج الكلام عن كونه كذبا.
الرتبة الرابعة : المعتزلة والمشبهة والفرق كلها سوى الفلاسفة ، وهم الذين يصدقون ولا يجوزون الكذب لمصلحة وغير مصلحة ، ولا يشتغلون بالتعليل لمصلحة الكذب بل بالتأويل ولكنهم مخطئون في التأويل ، فهؤلاء أمرهم في محل الاجتهاد ، والذي ينبغي أن يميل المحصل إليه الاحتراز من التكفير ما وجد إليه سبيلا ، فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة المصرحين بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله خطأ ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم ، وقد قال صلىاللهعليهوسلم : (أمرت