أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها) (١) ، وهذه الفرق منقسمون إلى مسرفين وغلاة ، وإلى مقتصدين بالإضافة إليهم ، ثم المجتهد يرى تكفيرهم وقد يكون ظنه في بعض المسائل وعلى بعض الفرق أظهر. وتفصيل آحاد تلك المسائل يطول ثم يثير الفتن والأحقاد ، فإن أكثر الخائضين في هذا إنما يحركهم التعصب واتباع تكفير المكذب للرسول ، وهؤلاء ليسوا مكذبين أصلا ولم يثبت لنا أن الخطأ في التأويل موجب للتكفير ، فلا بد من دليل عليه ، وثبت أن العصمة مستفادة من قول لا إله إلا الله قطعا ، فلا يدفع ذلك إلا بقاطع ، وهذا القدر كاف في التنبيه على أن إسراف من بالغ في التكفير ليس عن برهان فإن البرهان إما أصل أو قياس على أصل ، والأصل هو التكذيب الصريح ومن ليس بمكذب فليس في معنى الكذب أصلا فيبقى تحت عموم العصمة بكلمة الشهادة.
الرتبة الخامسة : من ترك التكذيب الصريح ولكن ينكر أصلا من أصول الشرعيات المعلومة بالتواتر من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، كقول القائل : الصلوات الخمس غير واجبة ، فإذا قرئ عليه القرآن والأخبار قال : لست أعلم صدر هذا من رسول الله ، فلعله غلط وتحريف. وكمن يقول : أنا معترف بوجوب الحج ولكن لا أدري أين مكة وأين الكعبة ، ولا أدري أن البلد الذي تستقبله الناس ويحجونه هل هي البلد التي حجها النبي عليهالسلام ووصفها القرآن ، فهذا أيضا ينبغي أن يحكم بكفره لأنه مكذب ولكنه محترز عن التصريح ، وإلا فالمتواترات تشترك في دركها العوام والخواص وليس بطلان ما يقوله كبطلان مذهب المعتزلة فإن ذلك يختص لدركه أولوا البصائر من النظار إلا أن يكون هذا الشخص قريب العهد بالاسلام ولم يتواتر عنده بعد هذه الأمور فيمهله إلى أن يتواتر عنده ، ولسنا نكفره لأنه أنكر أمرا معلوما بالتواتر ، وإنه لو أنكر غزوة من غزوات النبي صلىاللهعليهوسلم المتواترة أو أنكر نكاحه حفصة بنت عمر ،
__________________
(١) رواه البخاري ومسلم.