والحكم بأنه مخلد في النار؟ وهو كنظرنا في أن الصبي إذا تكلم بكلمتي الشهادة فهو كافر بعد أو مسلم؟ أي هذا اللفظ الذي صدر منه وهو صدق ، والاعتقاد الذي وجد في قلبه وهو حق ، هل جعله الشرع سببا لعصمة دمه وماله أم لا؟ وهذا إلى الشرع ، فأما وصف قوله بأنه كذب أو اعتقاده بأنه جهل ، فليس إلى الشرع ، فإذا معرفة الكذب والجهل يجوز أن يكون عقليا وأما معرفة كونه كافر أو مسلما فليس إلا شرعيا ، بل هو كنظرنا في الفقه في أن هذا الشخص رقيق أو حرّ ، ومعناه أن السبب الذي جرى هل نصبه الشرع مبطلا لشهادته وولايته ومزيلا لأملاكه ومسقطا للقصاص عن سيده المستولي عليه ، إذا قتله ، فيكون كل ذلك طلبا لأحكام شرعية لا يطلب دليلها إلا من الشرع ، ويجوز الفتوى في ذلك بالقطع مرة وبالظن والاجتهاد أخرى ، فإذا تقرر هذا الأصل فقد قررنا في أصول الفقه وفروعه أن كل حكم شرعيّ يدعيه مدع فإما أن يعرفه بأصل من أصول الشرع من إجماع أو نقل أو بقياس على أصل ، وكذلك كون الشخص كافرا إما أن يدرك بأصل أو بقياس على ذلك الأصل ، والأصل المقطوع به أن كل من كذب محمدا صلىاللهعليهوسلم فهو كافر أي مخلد في النار بعد الموت ، ومستباح الدم والمال في الحياة ، إلى جملة الأحكام ، إلا أن التكذيب على مراتب.
الرتبة الأولى : تكذيب اليهود والنصارى واهل الملل كلهم من المجوس وعبدة الأوثان وغيرهم ، فتكفيرهم منصوص عليه في الكتاب ومجمع عليه بين الأمة ، وهو الأصل وما عداه كالملحق به.
الرتبة الثانية : تكذيب البراهمة المنكرين لأصل النبوات ، والدهرية المنكرين لصانع العالم ، وهذا ملحق بالمنصوص بطريق الأولى ، لأن هؤلاء كذبوه وكذبوا غيره من الأنبياء ، أعني البراهمة ، فكانوا بالتكفير أولى من النصارى واليهود ، والدهرية أولى بالتكفير من البراهمة لأنهم أضافوا إلى تكذيب الأنبياء إنكار المرسل ومن ضرورة إنكار النبوة ، ويلتحق بهذه الرتبة كل من قال قولا لا تثبت النبوة في أصلها أو نبوة نبينا محمد على الخصوص إلا بعد بطلان قوله.