إلى نفس التصديق ، هذا فيه نظر ، وترك المداهنة في مثل هذا المقام أولى والحق أحق ما قيل ، فأقول : إن المواظبة على الطاعات لها تأثير في تأكيد طمأنينة النفس إلى الاعتقاد التقليدي ورسوخه في النفس ، وهذا أمر لا يعرفه إلا من سبر أحوال نفسه وراقبها في وقت المواظبة على الطاعة وفي وقت الفترة ولاحظ تفاوت الحال في باطنه ، فإنه يزداد بسبب المواظبة على العمل أنسة لمعتقداته ، ويتأكد به طمأنينته ، حتى أن المعتقد الذي طالت منه المواظبة على العمل بموجب اعتقاده أعصى نفسا على المحاول تغييره وتشكيكه ممن لم تطل مواظبته ، بل العادات تقضي بها ، فإن من يعتقد الرحمة في قلبه على يتيم فإن أقدم على مسح رأسه وتفقد أمره صادف في قلبه عند ممارسة العمل بموجب الرحمة زيادة تأكيد في الرحمة ، ومن يتواضع بقلبه لغيره فإذا عمل بموجبه ساجدا له أو مقبلا يده ازداد التعظيم والتواضع في قلبه ولذلك تعبدنا بالمواظبة على أفعال هي مقتضى تعظيم القلب من الركوع والسجود ليزداد بسببها تعظيم القلوب ، فهذه أمور يجحدها المتحذلقون في الكلام الذين أدركوا ترتيب العلم بسماع الألفاظ ولم يدركوها بذوق النظر. فهذه حقيقة المسألة ، ومن هذا الخبر اختلافهم في معنى الرزق. وقول المعتزلة : إن ذلك مخصوص بما يملكه الإنسان حتى ألزموا أنه لا رزق لله تعالى على البهائم ، فربما قالوا هو مما لم يحرم تناوله ، فقيل لهم فالظلمة ماتوا وقد عاشوا عمرهم لم يرزقوا ، وقد قال أصحابنا إنه عبارة عن المنتفع به كيف كان ، ثم هو منقسم إلى حلال وحرام ، ثم طولوا في حد الرزق وحد النعمة وتضييع الوقت بهذا وأمثاله دأب من لا يميز بين المهم وغيره ولا يعرف قدر بقية عمره ، وإنه لا قيمة له فينبغي أن يضيع العمر إلا بالمهم وبين يدي الأنظار أمور مشكلة البحث عنها أهم من البحث عن موجب الألفاظ ومقتضى الإطلاقات ، فنسأل الله أن يوفقنا للاشتغال لما يعنينا.