حسبة باردة شنيعة لا يصير إليها عاقل ؛ وكذلك قوله إن الواجب علي شيئان العمل والأمر للغير ، وأنا أتعاطى أحدهما وإن تركت الثاني كقوله : إن الواجب علي الوضوء دون الصلاة وأنا أصلي وإن تركت الوضوء ، والمسنون في حقي الصوم والتسحر وأنا أتسحر وإن تركت الصوم ، وذلك محال ، لأن السحور للصوم والوضوء للصلاة ، وكل واحد شرط الآخر وهو متقدم في الرتبة على المشروط ، فكذلك نفس المرء مقدمة على غيره ، فليهذب نفسه أولا ثم غيره أما إذا أهمل نفسه واشتغل بغيره كان ذلك عكس الترتيب الواجب ، بخلاف ما إذا هذب نفسه وترك الحسبة وتهذيب غيره ، فإن ذلك معصية ولكنه لا تناقض فيه. وكذلك الكافر ليس له ولاية الدعوة إلى الاسلام ما لم يسلم هو بنفسه ، فلو قال الواجب عليّ شيئان ولي أن أترك أحدهما دون الثاني لم يكن منه ، والجواب أن حسبة الزاني بالمرأة عليها ومنعها من كشفها وجهها جائزة عندنا ، وقولكم إن هذه حسبة باردة شنيعة فليس الكلام في أنها حارة أو باردة مستلذة أو مستبشعة ، بل الكلام في أنها حق أو باطل وكم من حق مستبرد مستثقل وكم من باطل مستحلى مستعذب ، فالحق غير اللذيذ والباطل غير الشنيع ، والبرهان القاطع فيه هو أنا نقول : قوله لها لا تكشفي وجهك فإنه حرام ، ومنعه إياها بالعمل قول وفعل ، وهذا القول والفعل إما أن يقال هو حرام أو يقال واجب أو يقال هو مباح ، فإن قلتم إنه واجب فهو المقصود ، وإن قلتم إنه مباح فله أن يفعل ما هو مباح ، وإن قلتم إنه حرام فما مستند تحريمه؟ وقد كان هذا واجبا قبل اشتغاله بالزنى فمن أين يصير الواجب حراما باقتحامه محرما ، وليس في قوله الأخير صدق عن الشرع بأنه حرام ، وليس في فعله إلا المنع من اتحاد ما هو حرام ، والقول بتحريم واحد منهما محال. ولسنا نعني بقولنا للفاسق ولاية الحسبة إلا أن قوله حق وفعله ليس بحرام ، وليس هذا كالصلاة والوضوء فإن الصلاة هي المأمور بها وشرطها الوضوء ، فهي بغير وضوء معصية وليست بصلاة ، بل تخرج عن كونها صلاة وهذا القول لم يخرج عن كونه حقا ولا الفعل