أعراض تماثل الأول حصل تصديق الشرع ووقع الخلاص عن إشكال الإعادة وتمييز المعاد عن المثل ، وقد أطنبنا في هذه المسألة في كتاب التهافت ، وسلكنا في إبطال مذهبهم تقرير بقاء النفس التي هي غير متحيز عندهم وتقدير عود تدبيرها إلى البدن سواء كان ذلك البدن هو عين جسم الانسان أو غيره ، وذلك إلزام لا يوافق ما نعتقده ؛ فإن ذلك الكتاب مصنف لابطال مذهبهم لا لاثبات المذهب الحق ، ولكنهم لما قدروا أن الانسان هو ما هو باعتبار نفسه وأن اشتغاله بتدبير كالعارض له والبدن آلة لهم ، ألزمناهم بعد اعتقادهم بقاء النفس وجوب التصديق بالاعادة وذلك برجوع النفس إلى تدبير بدن من الأبدان ، والنظر الآن في تحقيق هذا الفصل ينجر إلى البحث عن الروح والنفس والحياة وحقائقها ، ولا تحتمل المعتقدات التغلغل إلى هذه الغايات في المعقولات. فما ذكرناه كاف في بيان الاقتصاد في الاعتقاد للتصديق بما جاء به الشرع ، وأما عذاب القبر فقد دلت عليه قواطع الشرع إذ تواتر عن النبي صلىاللهعليهوسلم وعن الصحابة رضي الله عنهم بالاستعاذة منه في الأدعية (١) واشتهر قوله عند المرور بقبرين : إنهما ليعذبان (٢) ودل عليه قوله تعالى (وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) (٣) الآية ، وهو ممكن ، فيجب التصديق به. ووجه إمكانه ظاهر ، وإنما تنكره المعتزلة من حيث يقولون إنا نرى شخص الميت مشاهدة وهو غير معذب وإن الميت ربما تفترسه السباع وتأكله ، وهذا هوس ؛ أما مشاهدة الشخص فهو مشاهدة لظواهر الجسم والمدرك للعقاب جزء من القلب أو من الباطن كيف كان وليس من ضرورة العذاب ظهور حركة في ظاهر البدن ، بل الناظر إلى ظاهر النائم لا يشاهد ما يدركه
__________________
(١) انظر كتاب الجنائز في صحيح البخاري وما يحتوي من احاديث تثبت عذاب القبر ، وجميع هذه الاحاديث صحيحة.
(٢) اخرجه البخاري.
(٣) سورة غافر الآيات : (٤٥ ـ ٤٦). وحاق : احاط.