التصديق باللسان
والقلب عمل يبنى على الأدلة الظنية كسائر الأعمال فنحن نعلم قطعا إنكار الصحابة
على من يدعي كون العبد خالقا لشيء من الأشياء وعرض من الاعراض ، وكانوا ينكرون ذلك
بمجرد قوله تعالى (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) ومعلوم أنه عام قابل للتخصيص فلا يكون عمومه إلا مظنونا ،
إنما صارت المسألة قطعية بالبحث على الطرق العقلية التى ذكرناها ، ونعلم أنهم
كانوا ينكرون ذلك قبل البحث عن الطرق العقلية ولا ينبغي أن يعتقد بهم أنهم لم
يلتفتوا إلى المدارك الظنية إلا في الفقهيات بل اعتبروها أيضا في التصديقات
الاعتقادية والقولية.
وأما ما قضى العقل
باستحالته فيجب فيه تأويل ما ورد السمع به ولا يتصور أن يشمل السمع على قاطع مخالف
للمعقول ، وظواهر أحاديث التشبيه أكثرها غير صحيحة ، والصحيح منها ليس بقاطع بل هو
قابل للتأويل. فإن توقف العقل في شيء من ذلك فلم يقض فيه باستحالة ولا جواز وجب
التصديق أيضا لأدلة السمع فيكفي في وجوب التصديق انفكاك العقل عن القضاء بالإحالة
، وليس يشترط اشتماله على القضاء لتجويز ، وبين الرتبتين فرق ربما يزل ذهن البليد
حتى لا يدرك الفرق بين قول القائل : اعلم أن الأمر جائز ، وبين قوله : لا أدري إنه
محال أم جائز ، وبينهما ما بين السماء والأرض ، إذ الأول جائز على الله تعالى
والثاني غير جائز ، فإن الأول معرفة بالجواز والثاني عدم معرفة بالاحالة ، ووجوب
التصديق جائز في القسمين جميعا فهذه هي المقدمة.
أما
الفصل الأول :
ففي بيان قضاء
العقل بما جاء الشرع به من الحشر والنشر وعذاب القبر والصراط والميزان ، أما الحشر
فيعنى به إعادة الخلق وقد دلت عليه القواطع
__________________