الطريقة الثانية : أن تثبت نبوته بجملة من الأفعال الخارقة للعادات التي ظهرت عليه ، كانشقاق القمر ، ونطق العجماء ، وتفجر الماء من بين أصابعه ، وتسبيح الحصى في كفه ، وتكثير الطعام القليل ، وغيره من خوارق العادات ، وكل ذلك دليل على صدقه ، فان قيل : آحاد هذه الوقائع لم يبلغ نقلها مبلغ التواتر ، قلنا : ذلك أيضا إن سلم فلا يقدح في العرض مهما كان المجموع بالغا مبلغ التواتر ، وهذا كما أن شجاعة علي رضوان الله عليه وسخاوة حاتم معلومان بالضرورة على القطع تواترا ، وآحاد تلك الوقائع لم تثبت تواترا ، ولكن يعلم من مجموع الآحاد على القطع ثبوت صفة الشجاعة والسخاوة ، فكذلك هذه الأحوال العجيبة بالغة جملتها مبلغ التواتر ، لا يستريب فيها مسلم أصلا ، فان قال قائل من النصارى : هذه الأمور لم تتواتر عندي لا جملتها ولا آحادها ، فيقال : ولو انحاز يهودي إلى قطر من الأقطار ولم يخالط النصارى وزعم أنه لم تتواتر عنده معجزات عيسى ، وإن تواترت فعلى لسان النصارى وهم مهتمون به ، فبما ذا ينفصلون عنه؟ ولا انفصال عنه إلا أن يقال : ينبغي أن يخالط القوم الذين تواتر ذلك بينهم حتى يتواتر ذلك إليك ، فان الاصم لا تتواتر عنده الاخبار ، وكذا المتصامم ، فهذا أيضا عذرنا عند إنكار واحد منهم التواتر على هذا الوجه.